والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما (27) والجواب أن نقول: إن قوله: * (ويتوب عليكم) * صريح في أنه تعالى هو الذي يفعل التوبة فينا. والعقل أيضا مؤكد له، لأن التوبة عبارة عن الندم في الماضي، والعزم على عدم العود في المستقبل، والندم والعزم من باب الإرادات، والإرادة لا يمكن إرادتها، وإلا لزم التسلسل، فاذن الإرادة يمتنع أن تكون فعل الانسان، فعلمنا أن هذا الندم وهذا العزم لا يحصلان إلا بتخليق الله تعالى، فصار هذا البرهان العقلي دالا على صحة ما أشعر به ظاهر القرآن وهو أنه تعالى هو الذي يتوب علينا فأما قوله: لو تاب علينا لحصلت هذه التوبة، فنقول: قوله: * (ويتوب عليكم) * خطاب مع الأمة، وقد تاب عليهم في نكاح الأمهات والبنات وسائر المنهيات المذكورة في هذه الآيات، وحصلت هذه التوبة لهم فزال الاشكال والله أعلم.
ثم قال تعالى: * (والله عليم حكيم) * أي عليم بأحوالكم، حكيم في كل ما يفعله بكم ويحكم عليكم.
* (والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما) *.
فيه مسألتان:
المسألة الأولى: قيل: المجوس كانوا يحلون الأخوات وبنات الاخوة والأخوات، فلما حرمهن الله تعالى قالوا: إنكم تحلون بنت الخالة والعمة، والخالة والعمة عليكم حرام، فانكحوا أيضا بنات الأخ والأخت، فنزلت هذه الآية.
المسألة الثانية: قالت المعتزلة: قوله: * (والله يريد أن يتوب عليكم) * يدل على أنه تعالى يريد التوبة من الكل، والطاعة من الكل. قال أصحابنا: هذا محالا لأنه تعالى علم من الفاسق أنه لا يتوب وعلمه بأنه لا يتوب مع توبته ضدان، وذلك العلم ممتنع الزوال، ومع وجوب أحد الضدين كانت إرادة الضد الآخر إرادة لما علم كونه محالا، وذلك محال، وأيضا إذا كان هو تعالى يريد التوبة من الكل ويريد الشيطان أن تميلوا ميلا عظيما، ثم يحصل مراد الشيطان لا مراد الرحمن، فحينئذ نفاذ الشيطان في ملك الرحمن أتم من نفاذ الرحمن في ملك نفسه وذلك محال، فثبت أن قوله: * (والله يريد أن يتوب عليكم) * خطاب مع قوم معينين حصلت هذه التوبة لهم.