ثم قال تعالى: * (إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما) * وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: في قوله: * (إن يريدا) * وجوه: الأول: ان يرد الحكمان خيرا وإصلاحا يوفق الله بين الحكمين حتى يتفقا على ما هو خير. الثاني: ان يرد الحكمان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين. الثالث: إن يرد الزوجان إصلاحا يوفق الله بين الزوجين. الرابع: إن يرد الزوجان إصلاحا يوفق الله بين الحكمين حتى يعملا بالصلاح، ولا شك أن اللفظ محتمل لكل هذه الوجوه.
المسألة الثانية: أصل التوفيق الموافقة، وهي المساواة في أمر من الأمور، فالتوفيق اللطف الذي يتفق عنده فعل الطاعة، والآية دالة على أنه لا يتم شيء من الأغراض والمقاصد إلا بتوفيق الله تعالى، والمعنى أنه إن كانت نية الحكمين إصلاح ذات البين يوفق الله بين الزوجين.
ثم قال تعالى: * (إن الله كان عليما خبيرا) * والمراد منه الوعيد للزوجين وللحكمين في سلوك ما يخالف طريق الحق.
النوع التاسع: من التكاليف المذكورة في هذه السورة:
* (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذى القربى واليتامى والمساكين والجار ذى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا) *.
واعلم أنه تعالى لما أرشد كل واحد من الزوجين إلى المعاملة الحسنة مع الآخر وإلى إزالة الخصومة والخشونة، أرشد في هذه الآية إلى سائر الأخلاق الحسنة وذكر منها عشرة أنواع.
النوع الأول: قوله: واعبدوا الله) * قال ابن عباس: المعنى وحدوه، واعلم أن العبادة عبارة عن كل فعل وترك يؤتى به لمجرد أمر الله تعالى بذلك، وهذا يدخل فيه جميع أعمال القلوب وجميع أعمال الجوارح، فلا معنى لتخصيص ذلك بالتوحيد، وتحقيق الكلام في العبادة قد تقدم في سورة البقرة في قوله تعالى: * (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) *.