ثم قال تعالى: * (ولا جنبا إلا عابري سبيل) * قوله: * (ولا جنبا) * عطف على قوله: * (وأنتم سكارى) * والواو ههنا للحال، والتقدير: لا تقربوا الصلاة حال ما تكونون سكارى، وحال ما تكونون جنبا، والجنب يستوي فيه الواحد والجمع، المذكر والمؤنث، لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الاجناب. وقد ذكرنا أن أصل الجنابة البعد، وقيل للذي يجب عليه الغسل: جنب، لأنه يجتنب الصلاة والمسجد وقراءة القرآن حتى يتطهر. ثم قال: * (إلا عابري سبيل) * وقد ذكرنا أن فيه قولين: أحدهما: أن هذا العبور المراد منه العبور في المسجد. الثاني: أن المراد بقوله: * (إلا عابري سبيل) * المسافرون، وبينا كيفية ترجيح أحدهما على الآخر.
قوله تعالى * (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يشترون الضلالة ويريدون أن تضلوا السبيل) *.
اعلم أنه تعالى ذكر ههنا أصنافا أربعة: المرضى، والمسافرين، والذين جاؤوا من الغائط، والذين لامسوا النساء.
فالقسمان الأولان: يلجئان إلى التيمم، وهما المرض والسفر.
والقسمان الأخيران: يوجبان التطهر بالماء عند وجود الماء، وبالتيمم عند عدم الماء، ونحن نذكر حكم كل واحد من هذه الأقسام:
أما السبب الأول: وهو المرض، فاعلم أنه على ثلاثة أقسام: أحدها: أن يكون بحيث لو استعمل الماء لمات، كما في الجدري الشديد والقروح العظيمة، وثانيها: أن لا يموت باستعمال الماء ولكنه يجد الآلام العظيمة. وثالثها: أن لا يخاف الموت والآلام الشديدة. لكنه يخاف بقاء شين أو عيب على البدن، فالفقهاء جوزوا التيمم في القسمين الأولين، وما جوزوه في القسم الثالث وزعم الحسن البصري أنه لا يجوز التيمم في الكل إلا عند عدم الماء، بدليل أنه شرط جواز التيمم للمريض بعدم وجدان الماء، بدليل أنه قال في آخر الآية: * (فلم تجدوا ماء) * وإذا كان هذا الشرط