اعلم أن في النظم وجهين: الأول: قال القفال رحمه الله: انه تعالى لما نهاهم في الآية المتقدمة عن أكل الأموال بالباطل، وعن قتل النفس، أمرهم في هذه الآية بما سهل عليهم ترك هذه المنهيات، وهو أن يرضى كل أحد بما قسم الله له، فإنه إذا لم يرض بذلك وقع في الحسد، وإذا وقع في الحسد وقع لا محالة في أخذ الأموال بالباطل وفي قتل النفوس، فإما إذا رضي بما قدر الله أمكنه الاحتراز عن الظلم في النفوس وفي الأموال.
الوجه الثاني: في كيفية النظم: هو أن أخذ المال بالباطل وقتل النفس، من أعمال الجوارح فأمر أولا بتركهما ليصير الظاهر طاهرا عن الأفعال القبيحة، وهو الشريعة. ثم أمر بعده بترك التعرض لنفوس الناس وأموالهم بالقلب على سبيل الحسد، ليصير الباطن طاهرا عن الأخلاق الذميمة، وذلك هو الطريقة. ثم في الآية مسائل:
المسألة الأولى: التمني عندنا عبارة عن إرادة ما يعلم أو يظن أنه لا يكون، ولهذا قلنا: انه تعالى لو أراد من الكافر أن يؤمن مع علمه بأنه لا يؤمن لكان متمنيا. وقالت المعتزلة: النهي عن قول القائل: ليته وجد كذا، أو ليته لم يوجد كذا، وهذا بعيد لأن مجرد اللفظ إذا لم يكن له معنى لا يكون تمنيا، بل لا بد وأن يبحث عن معنى هذا اللفظ، ولا معنى له إلا ما ذكرناه من إرادة ما يعلم أو يظن أنه لا يكون.
المسألة الثانية: اعلم أن مراتب السعادات إما نفسانية، أو بدنية، أو خارجية.
أما السعادات النفسانية فنوعان: أحدهما: ما يتعلق بالقوة النظرية، وهو: الذكاء التام والحدس الكامل، والمعارف الزائدة على معارف الغير بالكمية والكيفية. وثانيهما: ما يتعلق بالقوة العملية، وهي: العفة التي هي وسط بين الخمود والفجور، والشجاعة التي هي وسط بين التهور والجبن، واستعمال الحكمة العملية الذي هو توسط بين البله والجربزة، ومجموع هذه الأحوال هو العدالة.
وأما السعادات البدنية: فالصحة والجمال، والعمر الطويل في ذلك مع اللذة والبهجة.
وأما السعادات الخارجية: فهي كثرة الأولاد الصلحاء، وكثرة العشائر، وكثرة الأصدقاء والأعوان، والرياسة التامة، ونفاذ القول، وكونه محبوبا للخلق حسن الذكر فيهم، مطاع الأمر فيهم، فهذا هو الإشارة إلى مجامع السعادات، وبعضها فطرية لا سبيل للكسب فيه، وبعضها كسبية، وهذا الذي يكون كسبيا متى تأمل العاقل فيه يجده أيضا محض عطاء الله، فإنه لا ترجيح للدواعي وإزالة العوائق وتحصيل الموجبات، وإلا فيكون سبب السعي والجد مشتركا فيه، ويكون الفوز