إلا كذا وكذا، فإنه لو بين ذلك لكان ما عداها صغيرة، فحينئذ تصير الصغيرة معلومة، ولكن يجوز أن يبين في بعض الذنوب أنه كبيرة. روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: " ما تعدون الكبائر " فقالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: " الاشراك بالله وقتل النفس المحرمة وعقوق الوالدين والفرار من الزحف والسحر وأكل مال اليتيم وقول الزور وأكل الربا وقذف المحصنات الغافلات " وعن عبد الله بن عمر أنه ذكرها وزاد فيها: استحلال آمين البيت الحرام، وشرب الخمر، وعن ابن مسعود أنه زاد فيها: القنوط من رحمة الله واليأس من رحمة الله، والأمن من مكر الله. وذكر عن ابن عباس أنها سبعة، ثم قال: هي إلى السبعين أقرب. وفي رواية أخرى إلى السبعمائة أقرب والله أعلم.
المسألة الثالثة: احتج أبو القاسم الكعبي بهذه الآية على القطع بوعيد أصحاب الكبائر فقال: قد كشف الله بهذه الآية الشبهة في الوعيد، لأنه تعالى بعد أن قدم ذكر الكبائر، بين أن من اجتنبها يكفر عن سيآته، وهذا يدل على أنهم إذا لم يجتنبوها فلا تكفر، ولو جاز أن يغفر تعالى لهم الكبائر والصغائر من غير توبة لم يصح هذا الكلام.
وأجاب أصحابنا من وجوه: الأول: انكم إما أن تستدلوا بهذه الآية من حيث إنه تعالى لما ذكر أن عند اجتناب الكبائر يكفر السيئات، وجب أن عند عدم اجتناب الكبائر لا يكفرها، لأن تخصيص الشيء بالذكر يدل على نفي الحكم عما عداه وهذا باطل. لأن عند المعتزلة هذا الأصل باطل، وعندنا انه دلالة ظنية ضعيفة، وإما أن تستدلوا به من حيث أن المعلق بكلمة " إن " على الشيء عدم عند عدم ذلك الشيء، وهذا أيضا ضعيف، ويدل عليه آيات: إحداها: قوله: * (واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون) * (البقرة: 172) فالشكر واجب سواء عبد الله أو لم يعبد. وثانيها: قوله تعالى: * (فان أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته) * (البقرة: 283) وأداء الأمانة واجب سواء ائتمنه أو لم يفعل ذلك. وثالثها: * (فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان) * (البقرة: 282) والاستشهاد بالرجل والمرأتين جائز سواء حصل الرجلان أو لم يحصلا. ورابعها: * (ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة) * والرهن مشروع سواء وجد الكاتب أو لم يجده. وخامسها: * (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا) * (النور: 33) والاكراه على البغاء محرم، سواء أردن التحصن أو لم يردن. وسادسها: * (وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) * (النساء: 3) والنكاح جائز سواء حصل ذلك الخوف أو لم يحصل، وسابعها: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم) * والقصر جائز، سواء حصل الخوف أو لم يحصل وثامنها: * (فان كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك) * والثلثان كما أنه حق الثلاثة فهو أيضا حق الثنتين، وتاسعها: قوله: * (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله) * (النساء: 35) وذلك جائز سواء حصل