تقديره: وآثروا الإيمان، وإسلام المهاجرين قبل الأنصار، وسكنى الأنصار المدينة قبل المهاجرين. وقيل: الكلام [على ظاهره]، والمعنى: تبوؤا الدار والإيمان قبل الهجرة (يحبون من هاجر إليهم) وذلك أنهم شاركوهم في منازلهم، وأموالهم (ولا يجدون في صدورهم حاجة) أي: حسدا وغيظا مما أوتي المهاجرون. وفيما أوتوه قولان:
أحدهما: مال الفيء، قاله الحسن. وقد ذكرنا آنفا أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قسم أموال بني النضير بين المهاجرين، ولم يعط من الأنصار غير ثلاثة نفر.
والثاني: الفضل والتقدم، ذكره الماوردي.
قوله [عز وجل]: (ويؤثرون [على أنفسهم]) يعني الأنصار يؤثرون المهاجرين على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم (ولو كان بهم خصاصة) أي فقر وحاجة، فبين الله عز وجل أن إيثارهم لم يكن عن غنى. وفي سبب نزول هذا الكلام قولان:
أحدهما: أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصابه الجهد، فقال: يا رسول الله: إني جائع فأطعمني، فبعث رسول الله [صلى الله عليه وسلم] إلى أزواجه: هل عندكن شيء؟ فكلهن قلن: والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا الماء، فقال: ما عند رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ما يطعمك هذه الليلة. ثم قال: " من يضيف هذا هذه الليلة رحمه الله؟ " فقام رجل فقال: أنا يا رسول الله، فأتى به منزله، فقال لأهله: هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكرميه ولا تدخري عنه شيئا، فقالت: ما عندنا إلا قوت الصبية، فقال: قومي فعلليهم عن قوتهم حتى يناموا ولا يطعموا شيئا، ثم أصبحي سراجك، فإذا أخذ الضيف ليأكل، فقومي كأنك تصلحين السراج، فأطفئيه، وتعالي نمضغ ألسنتنا لأجل ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يشبع، ففعلت ذلك، فظن الضيف أنهما يأكلان معه، فشبع هو، وباتا طاويين، فلما أصبحا غدوا إلى رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فلما نظر إليهما تبسم، ثم قال: ضحك الله الليلة، أو عجب من فعالكما، فأنزل الله تعالى: (ويؤثرون على أنفسهم) الآية. خرجه البخاري ومسلم