عن يحيى بن أبي كثير أنه قال: التجسس، بالجيم: البحث عن عورات الناس، وبالحاء: الاستماع لحديث القوم. قال المفسرون: التجسس: البحث عن عيب المسلمين وعوراتهم، فالمعنى: لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه ليطلع عليه إذ ستره الله. وقيل لابن مسعود: هذا الوليد ابن عقيبة تقطر لحيته خمرا، فقال: إنا نهينا عن التجسس، فإن يظهر لنا شيء نأخذه به.
قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضا) أي: لا يتناول بعضكم بعضا بظهر الغيب بما يسوؤه.
وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل ما الغيبة؟ قال: " ذكرك أخاك بما يكره. قال: أرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: " إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فقد بهته ".
ثم ضرب الله للغيبة مثلا، فقال: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) وقرأ نافع " ميتا " بالتشديد. قال الزجاج: وبيانه أن ذكرك بسوء من لم يحضر، بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك.
قال القاضي أبو يعلى: وهذا تأكيد لتحريم الغيبة، لأن أكل لحم المسلم محظور، ولأن النفوس تعافه من طريق الطبع، فينبغي أن تكون الغيبة بمنزلته في الكراهة.
قوله تعالى: (فكرهتموه) وقرأ الضحاك، و عاصم الجحدري: " فكرهتموه " برفع الكاف وتشديد الراء. قال الفراء: أي وقد كرهتموه فلا تفعلوه، ومن قرأ " فكرهتموه " أي: فقد بغض إليكم، والمعنى واحد. قال الزجاج: والمعنى: كما تكرهون أكل لحمه ميتا، فكذلك تجنبوا ذكره بالسوء غائبا.
قوله تعالى: (واتقوا الله) أي: في الغيبة (إن الله تواب) على من تاب (رحيم) به يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (13) * قوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى) في سبب نزولها ثلاثة أقوال:
أحدها: نزلت في ثابت بن قيس وقوله في الرجل الذي لم يفسح له: أنت ابن فلانة، وقد ذكرناه عن ابن عباس في قوله: (لا يسخر قوم من قوم).
والثاني: أنه لما كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فصعد على ظهر الكعبة فأذن، وأراد أن يذل المشركين بذلك، فلما أذن، قال عتاب بن أسيد: الحمد لله الذي قبض أسيدا قبل اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا؟! وقال سهيل بن عمرو:
إن يكره الله شيئا يغيره، وقال أبو سفيان: أما أنا فلا أقول شيئا، فإني إن قلت شيئا لتشهدن علي السماء، ولتخبرن عني الأرض، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
والثالث: أن عبدا أسود مرض فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قبض فتولى غسله وتكفينه ودفنه، فأثر ذلك عند الصحابة، فنزلت هذه الآية، قاله يزيد بن شجرة. فأما المراد بالذكر والأنثى، فآدم وحواء.