الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منه ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم (4) سيهديهم ويصلح بالهم (5) ويدخلهم الجنة عرفها لهم (6) قوله تعالى: (الذين كفروا) أي: بتوحيد الله (وصدوا) الناس عن الإيمان به، وهم مشركو قريش، (أضل أعمالهم) أي: أبطلها، ولم يجعل لها ثوابا، فكأنها لم تكن، وقد كانوا يطعمون الطعام، ويصلون الأرحام، ويتصدقون، ويفعلون ما يعتقدونه قربة.
(والذين آمنوا وعملوا الصالحات) يعني أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(وآمنوا بما نزل على محمد) وقرأ ابن مسعود: " نزل " بفتح النون والزاي وتشديدها. وقرأ أبي بن كعب، ومعاذ القارئ: " أنزل " بهمزة مضمومة مكسورة الزاي. وقرأ أبو رزين، وأبو الجوزاء وأبو عمران: " نزل " بفتح النون والزاي وتخفيفها، (كفر عنهم سيئاتهم) أي: غفرها لهم (وأصلح بالهم) أي: حالهم، قاله قتادة، والمبرد.
قوله تعالى: (ذلك) قال الزجاج: معناه: الأمر ذلك، وجائز أن يكون: ذلك الإضلال، لاتباعهم الباطل، وتلك الهداية والكفارات باتباع المؤمنين الحق، (كذلك يضرب الله للناس أمثالهم) أي: كذلك يبين أمثلا حسنات المؤمنين وسيئات الكافرين كهذا البيان.
قوله تعالى: (فضرب الرقاب) إغراء، والمعنى: فاقتلوهم، لان الأغلب في موضع القتل ضرب العنق (حتى إذا أثخنتموهم) أي: أكثرتم فيهم القتل (فشدوا الوثاق) يعني في الأسر، وإنما يكون الأسر بعد المبالغة في القتل. و " الوثاق " اسم من الإيثاق، تقول: أوثقته إيثاقا ووثاقا، إذا شددت أسره لئلا يفلت (فاما منا بعد) قال أبو عبيدة: إما أن تمنوا، وإما أن تفادوا، ومثله: سقيا، ورعيا، وإنما هو سقيت وزيت. وقال الزجاج: إما مننتم عليهم بعد أن تأسروهم منا، وإما أطلقتموهم بفداء.
فصل وهذه الآية محكمة عند عامة العلماء. وممن ذهب إلى أن حكم المن والفداء باق لم ينسخ:
ابن عمر، ومجاهد، والحسن، وابن سيرين، وأحمد، والشافعي. وذهب قوم إلى نسخ المن والفداء بقوله: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)، وممن ذهب إلى هذا ابن جريج، والسدي، وأبو حنيفة وقد أشرنا إلى القولين في براءة.
قوله تعالى: (حتى تضع الحرب أوزارها) قال ابن عباس: حتى لا يبقى أحد من المشركين.