وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين (29) قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدى إلى الحق وإلى طريق مستقيم (30) يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم (31) ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين (32) قوله تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) وبخ الله عز وجل بهذه الآية كفار قريش بما آمنت به الجن. وفي سبب صرفهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم صرفوا إليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشهب. روى البخاري ومسلم في " الصحيحين " من حديث ابن عباس قال: انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما ذاك إلا من شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر، فمر النفر الذين توجهوا نحو تهامة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو ب " نخلة " وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن تسمعوا له، فقالوا: هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فهنالك رجعوا إلى قومهم " فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد " فأنزل الله على نبيه (قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن). وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن، ولا رآهم، وإنما أتوه وهو ب " نخلة " فسمعوا القرآن.
والثاني: أنهم صرفوا إليه لينذرهم، وأمر أن يقرأ عليهم القرآن، هذا مذهب جماعة، منهم قتادة. وفي أفراد مسلم من حديث علقمة قال: قلت لعبد الله: من كان منكم مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: ما كان منا معه أحد، فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة، فقلنا: اغتيل رسول الله صلى الله عليه وسلم أو استطير، فانطلقنا نطلبه في الشعاب، فلقيناه مقبلا من نحو حراء، فقلنا: اغتيل رسول الله، أين كنت؟
لقد أشفقنا عليك، وقلنا له: بتنا الليلة بشر ليلة بات بها قوم حين فقدناك، فقال: " إنه أتاني داعي الجن، فذهبت أقرئهم القرآن "، فذهب بنا، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وقال قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني أمرت أن أقرأ على الجن، فأيكم يتبعني؟ " فأطرقوا، ثم استتبعهم فأطرقوا