ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شئ إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤون (26) ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون (27) فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون (28) ثم خوف كفار مكة، فقال عز وجل: (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) في " إن " قولان:
أحدهما: أنها بمعنى " لم " فتقديره: فيما لم نمكنكم فيه، قاله ابن عباس، وابن قتيبة.
وقال الفراء: هي بمنزلة " ما " في الجحد، فتقدير الكلام: في الذي لم نمكنكم فيه.
والثاني: أنها زائدة، والمعنى: فيما مكناكم فيه، وحكاه ابن قتيبة أيضا.
ثم أخبر أنه جعل لهم آلات الفهم، فلم يتدبروا بها، ولم يتفكروا فيما يدلهم على التوحيد، قال المفسرون: والمراد بالأفئدة: القلوب، وهذه الآلات لم ترد عنهم عذاب الله.
ثم زاد كفار مكة في التخويف، فقال: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى) كديار عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم من الأمم المهلكة (وصرفنا الآيات) أي: بيناها (لعلهم) يعني أهل القرى (يرجعون) عن كفرهم. وهاهنا محذوف، تقديره: فما رجعوا عن كفرهم.
(فلولا) أي: فهلا (نصرهم) أي: منعهم من عذاب الله (الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة؟!) يعني الأصنام التي تقربوا بعبادتها إلى الله على زعمهم، وهذا استفهام إنكار، معناه: لم ينصروهم (بل ضلوا عنهم) أي: لم ينفعوهم عند نزول العذاب (وذلك) يعني دعاءهم الآلهة (إفكهم) أي: كذبهم، وقرأ سعد بن أبي وقاص، وابن يعمر، وأبو عمران: " وذلك أفكهم " بفتح الهمزة وقصرها وفتح الفاء وتشديدها ونصب الكاف. وقرأ أبي بن كعب، وابن عباس، وأبو رزين، والشعبي، وأبو العالية، والجحدري: " أفكهم " بفتح الهمزة وقصرها ونصب الكاف والفاء وتخفيفها قال ابن جرير: أي: أضلهم. وقال الزجاج: معناها: صرفهم عن الحق فجعلهم ضلالا. وقرأ ابن مسعود، وأبو المتوكل: " آفكهم " بفتح الهمزة ومدها وكسر الفاء وتخفيفها ورفع الكاف، أي: مضلهم.