قوله تعالى: (كذبت قبلهم) أي: قبل أهل مكة (قوم نوح فكذبوا عبدنا) نوحا (وقالوا مجنون وازدجر) قال أبو عبيدة: افتعل من زجر. قال المفسرون: زجروه عن مقالته (فدعا) عليهم نوح (ربه) ب (أني مغلوب فانتصر) أي: فانتقم لي ممن كذبني. قال الزجاج: وقرأ عيسى بن عمر النحوي: " إني " بكسر الألف، وفسرها سيبويه فقال: هذا على إرادة القول، فالمعنى: قال: إني مغلوب، ومن فتح، وهو الوجه، فالمعنى: دعا ربه ب (أني مغلوب).
قوله تعالى: (ففتحنا أبواب السماء) قرأ ابن عامر " ففتحنا " بالتشديد. فأما المنهمر، فقال ابن قتيبة: هو الكثير السريع الانصباب، ومنه يقال: همر الرجل: إذا أكثر من الكلام وأسرع. وروى علي رضي الله عنه أن أبواب السماء فتحت بالماء من المجرة، وهي شرج السماء. وعلى ما ذكرنا من القصة في هود أن المطر جاءهم، يكون هو المراد بقوله: (ففتحنا أبواب السماء) قال المفسرون: جاءهم الماء من فوقهم أربعين يوما، وفجرت الأرض من تحتهم عيونا أربعين يوما.
(فالتقى الماء) وقرأ أبي بن كعب، وأبو رجاء، وعاصم الجحدري: " الماءان " بهمزة وألف ونون مكسورة. وقرأ ابن مسعود: " المايان " بياء وألف ونون مكسورة من غير همز. وقرأ الحسن، وأبو عمران: " الماوان " بواو وألف وكسر النون. قال الزجاج: يعني بالماء: ماء السماء وماء الأرض، ويجوز الماءان، لأن اسم الماء اسم يجمع ماء الأرض وماء السماء.
قوله تعالى: (على أمر قد قدر) فيه قولان:
أحدهما: كان قدر ماء السماء كقدر ماء الأرض، قاله مقاتل.
والثاني: قد قدر في اللوح المحفوظ، قاله الزجاج. فيكون المعنى: على أمر قد قضي عليهم، وهو الغرق.
قوله تعالى: (وحملناه) يعني نوحا (على ذات ألواح ودسر) قال الزجاج: أي: على سفينة ذات ألواح. قال المفسرون: ألواحها: خشباتها العريضة التي منها جمعت. وفي الدسر أربعة أقوال:
أحدها: أنها المسامير، رواه الوالبي عن ابن عباس، وبه قال قتادة، والقرظي، وابن زيد.
وقال الزجاج: الدسر: المسامير والشرط التي تشد بها الألواح، وكل شيء نحو السمر أو إدخال شيء في شيء بقوة وشدة قهر فهو دسر، يقال: دسرت المسمار أدسره وأدسره. والدسر: واحدها دسار، نحو حمار، وحمر.