والثاني: أنه مثل ضربه الله تعالى لشخص معين، وعلى هذا جمهور المفسرين، وهذا شرح قصته.
أهل التفسير أن عابدا من بني إسرائيل كان يقال له: برصيصا تعبد في صومعة له أربعين سنة لا يقدر عليه الشيطان، فجمع إبليس يوما مردة الشياطين، فقال: ألا أحد منكم يكفيني برصيصا، فقال الأبيض، [وهو] صاحب الأنبياء: أنا أكفيكه، فانطلق على صفة الرهبان.
فأتى صومعته، فناداه فلم يجبه، وكان لا ينفتل عن صلاته إلا في كل عشرة أيام، ولا يفطر إلا في كل عشرة أيام، فلما رأى أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته، فلما انفتل برصيصا، اطلع فرآه منتصبا يصلي على هيئة حسنة، فناداه: ما حاجتك؟ فقال: إني أحببت أن أكون معك، أقتبس من عملك، وأتأدب بأدبك، ونجتمع على العبادة، فقال برصيصا: إني لفي شغل عنك، ثم أقبل على صلاته، وأقبل الأبيض يصلي، فلم يقبل إليه برصيصا أربعين يوما، ثم انفتل، فرآه يصلي، فلما رأى شدة اجتهاده قال: ما حاجتك؟ فأعاد عليه القول، فأذن له، فصعد إليه، فأقام معه حولا لا يفطر إلا كل أربعين يوما، ولا ينفتل من صلاته إلا في كل أربعين يوما، وربما زاد على ذلك، فلما رأى برصيصا اجتهاده، أعجبه شأنه وتقاصرت إليه نفسه، فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا: إني منطلق عنك، فإن لي صاحبا غيرك ظننت أنك أشد اجتهادا مما أرى، وكان يبلغنا عنك غير الذي أرى، فاشتد ذلك على برصيصا، وكره مفارقته، فلما ودعه قال له الأبيض: إن عندي دعوات أعلمكها، يشفي الله بها السقيم، ويعافي بها المبتلي، فقال برصيصا: إني أكره هذه المنزلة، لأن لي في نفسي شغلا، فأخاف أن يعلم الناس بهذا، فيشغلوني عن العبادة، فلم يزل به حتى علمه إياها، ثم انطلق إلى إبليس فقال: قد والله أهلكت الرجل، فانطلق الأبيض، فتعرض لرجل فخنقه، ثم جاءه في صورة رجل متطبب،