والثاني: الأوثان، قاله مجاهد. وإنما عنوا بهذا أنه لو لم يرض عبادتنا لها لعجل عقوبتنا، فرد عليهم قولهم بقوله: (ما لهم بذلك من علم) وبعض المفسرين يقول: إنما أشار بقوله: " ما لهم بذلك من علم " إلى ادعائهم أن الملائكة إناث، قال: ولم يتعرض لقولهم: " لو شاء ما عبدناهم " لأنه قول صحيح، والذي اعتمدنا عليه أصح، لأن هذه الآية كقوله: (لو شاء الله ما أشركنا)، وقوله: (أنطعم من لو يشاء الله أطعمه) وقد كشفنا عن هذا المعنى هنالك و " يخرصون " بمعنى: يكذبون. وإنما كذبهم، لأنهم اعتقدوا أنه رضي منهم الكفر دينا.
(أم آتيناهم كتابا من قبله) أي: من قبل هذا القرآن، أي: بأن يعبدوا غير الله (فهم به مستمسكون) قوله يأخذون بما فيه.
(بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة) أي: على سنة وملة ودين (وإنا على آثارهم مهتدون) فجعلوا أنفسهم مهتدين بمجرد تقليد الآباء من غير حجة، ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذا القول، فقال: (وكذلك) أي: وكما قالوا قال مترفو القرى من قبلهم، (وإنا على آثارهم مقتدون) بهم.
(قل أولو جئتكم) وقرأ ابن عامر، وحفص عن عاصم: " قال أولو جئتكم " بألف. قال أبو علي: فاعل " قال " النذير، المعنى: فقال لهم النذير. وقرأ أبو جعفر: " أولو جئناكم " بألف ونون (بأهدى) أي: بأصوب وأرشد. قال الزجاج: ومعنى الكلام: قل: أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئتكم بأهدى منه؟! وفي هذه الآية إبطال القول بالتقليد. قال مقاتل: فردوا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (إنا بما أرسلتم به كافرون)، ثم رجع إلى الأمم الخالية، فقال: (فانتقمنا منهم...) الآية.
وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني برآء مما تعبدون (26) إلا الذي فطرني فإنه سيهدين (27) وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون (28) بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين (29) ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون (30) قوله تعالى: (إنني براء) قال الزجاج: البراء بمعنى البريء، والعرب تقول للواحد: أنا البراء منك، وكذلك للاثنين والجماعة، وللذكر والأنثى، يقولون: نحن البراء منك والخلاء منك، لا يقولون: نحن البراءان منك، ولا البراءون منك، وإنما المعنى: أنا ذو البراء منك، ونحن ذو البراء