قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله) قال بعضهم: أثبت على علمك، وقال قوم: المراد بهذا الخطاب غيره، وقد شرحنا هذا في فاتحة (الأحزاب). وقيل: إنه كان يضيق صدره بما يقولون، فقيل له: اعلم أنه لا كاشف لما بك إلا الله.
فأما قوله: (واستغفر لذنبك) فإنه كان يستغفر في اليوم مائة مرة، وأمر أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات إكراما لهم لأنه شفيع مجاب. (والله يعلم متقلبكم ومثواكم) فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة، وهو معنى قول ابن عباس:
والثاني: متقلبكم في أصلاب الرجال إلى أرحام النساء، ومقامكم في القبور، قاله عكرمة.
والثالث: " متقلبكم " بالنهار و " مثواكم " أي: مأواكم بالليل، قاله مقاتل.
قوله تعالى: (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة) قال المفسرون: سألوا ربهم أن ينزل سورة فيها ثواب القتال في سبيل الله، اشتياقا منهم إلى الوحي وحرصا على الجهاد، فقالوا: " لولا " أي:
هلا: وكان أبو مالك الأشجعي يقول: " لا " هاهنا صلة، فالمعنى: لو أنزلت سورة، شوقا منهم إلى الزيادة في العلم، ورغبة في الثواب والأجر بالاستكثار من الفرائض.
وفي معنى " محكمة " ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها التي يذكر فيها القتال، قاله قتادة.
والثاني: أنها التي يذكر فيها الحلال والحرام.
والثالث: التي لا منسوخ فيها، حكاهما أبو سليمان الدمشقي.
ومعنى قوله: (وذكر فيها القتال) أي: فرض فيها الجهاد.
وفي المراد بالمرض قولان:
أحدهما: النفاق، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد، والجمهور.
والثاني: الشك، قاله مقاتل.
قوله تعالى: (ينظرون إليك) أي: يشخصون نحوك بأبصارهم ينظرون نظرا شديدا كما ينظر الشاخص ببصره عند الموت، لأنهم يكرهون القتال، ويخافون إن قعدوا أن يتبين نفاقهم.
(فأولى لهم) قال الأصمعي: معنى قولهم في التهديد: " أولى لك " أي: وليك وقاربك ما تكره. وقال ابن قتيبة: هذا وعيد وتهديد، تقول للرجل - إذا أردت به سوءا، ففاتك - أولى لك، ثم ابتدأ، فقال: (طاعة وقول معروف...) وقال سيبويه والخليل: المعنى: طاعة وقول معروف أمثل.
وقال الفراء: الطاعة معروفة في كلام العرب، إذا قيل لهم: افعلوا كذلك، قالوا: سمع وطاعة، فوصف الله قولهم قبل أن تنزل السورة أنهم يقولون: سمع وطاعة، فإذا نزل الأمر كرهوا. وأخبرني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: قال الله تعالى: (فأولى)، ثم قال: (لهم) أي: للذين آمنوا منهم (طاعة)، فصارت " أولى " وعيدا لمن كرهها، واستأنف الطاعة ب " لهم "،