المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (32) قوله تعالى: (ولله ما في السماوات وما في الأرض) هذا إخبار عن قدرته وسعة ملكه، وهو كلام معترض بين الآية الأولى وبين قوله: (ليجزي الذين أساؤوا) لأن اللام في " ليجزي " متعلقة بمعنى الآية الأولى، لأنه إذا كان أعلم بهما. جازى كلا بما يستحقه، وهذه لام العاقبة، وذلك أن علمه بالفريقين أدى إلى جزائهم باستحقاقهم، وإنما يقدر على مجازاة الفريقين إذا كان واسع الملك، فذلك أخبر به في قوله: (ولله ما في السماوات وما في الأرض). قال المفسرون:
و " أساؤوا " بمعنى أشركوا، و " أحسنوا " بمعنى وحدوا. والحسنى: الجنة. والكبائر مذكورة في سورة النساء. وقيل: كبائر الإثم. كل ذنب ختم بالنار، والفواحش كل ذنب فيه الحد. وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضل، وخلف: " يجتنبون كبير الإثم " واللمم في كلام العرب: المقاربة للشئ.
وفي المراد به هاهنا ستة أقوال:
أحدها: ما ألموا به من الإثم والفواحش في الجاهلية، فإنه يغفر في الإسلام، قاله زيد بن ثابت.
والثاني: أن يلم بالذنب مرة ثم يتوب ولا يعود، قاله ابن عباس، والحسن، والسدي.
والثالث: أنه صغار الذنوب، كالنظرة والقبلة وما كان دون الزنا، قاله ابن مسعود، وأبو هريرة، والشعبي، ومسروق، ويؤيد هذا حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تشتهي وتتمنى، ويصدق ذلك ويكذبه الفرج، فإن تقدم بفرجه كان الزنا، وإلا فهو اللمم.
والرابع: أنه ما يهم به الإنسان، قاله محمد ابن الحنفية.
والخامس: أنه ألم بالقلب، أي: خطر، قاله سعيد بن المسيب.
والسادس: أنه النظر من غير تعمد، قاله الحسين بن الفضل. فعلى القولين الأولين يكون الاستثناء من الجنس، وعلى باقي الأقوال ليس من الجنس..
قوله تعالى: (إن ربك واسع المغفرة) قال ابن عباس: لمن فعل ذلك ثم تاب. وهاهنا تم الكلام. ثم قال: (هو أعلم بكم) يعني قبل خلقكم (إذ أنشأكم من الأرض) يعني آدم عليه السلام (وإذ أنتم أجنة) جمع جنين، والمعنى أنه علم ما تفعلون وإلى ماذا تصيرون، (فلا تزكوا