وقال الطبرسي في مجمع البيان في تفسير الآية: قوله " ذلك خير لكم وأطهر " تتطهرون بذلك لمناجاته (صلى الله عليه وآله)، كما تقدم الطهارة على الصلاة - إلى أن قال: - وقوله " أأشفقتم... الخ " قال سبحانه ناسخا للحكم الأول، وأنكم أهل الميسرة أخفتم الفاقة وبخلتم بالصدقة، فتاب على تقصيركم، وأمركم عوض الصدقة، وهو واجب مالي بشئ آخر، وهو إما واجب بدني، أو واجب مالي غير متكرر كالزكاة.
وقال الزرقاني: إن الآية منسوخة بقوله تعالى عقب تلك الآية " أأشفقتم...
الخ ". ثم نقل قول من قال بعدم النسخ، مستدلا بأن الآية الثانية بيان للصدقة المأمور بها في الآية الأولى، وأنه يصح أن تكون صدقة غير مالية كإقامة الصلاة ونحو ذلك. ثم أورد عليه بقوله: إن هذا ضرب من التكلف في التأويل، يأباه ما هو المعروف من معنى الصدقة، حتى أصبح لفظها حقيقة عرفية في البذل المالي وحده.
هذا بعض ما قيل في المقام حول نسخ هذه الآية وعدمه.
والذي يبدو لنا هو أن الآية الثانية إذا نظرنا إليها باستقلالها - مع قطع النظر عن الأخبار الواردة في تفسيرها - فإننا سوف نقتنع بأنها ناسخة للآية الأولى، وفيها توبيخ للصحابة أولا، ثم ترخيصهم بالمناجاة له (صلى الله عليه وآله) من دون تقديم صدقة، لكن مع إقام الصلاة وغير ذلك مما ذكرته الآية الشريفة، هذا بالنسبة لمن يقدر على الصدقة، وأما من لا يجد فإن الله غفور رحيم.
ويبقى أن نشير هنا إلى أن ترك الصدقة قبيح، ويستفاد قبحه من التوبيخ والعتاب الوارد في الآية " أأشفقتم... الخ " إذ لا توبيخ إلا على القبيح. والسر في قبحه هو: أن من يزور النبي (صلى الله عليه وآله) ويناجيه إذا أمر بالتصدق قبل النجوى فترك ذلك ضنا بالمال وحرم نفسه من التشرف بزيارة النبي من أجل ذلك يكون بلا ريب قد فعل أمرا قبيحا، لأنه يكشف عن عدم اعتنائه بما فاته من فوائد وبركات يستفيدها من الحضور بين يدي النبي (صلى الله عليه وآله) من أجل مقدار من المال وحبا بالدنيا الذي هو رأس كل خطيئة.