لأنه لولاه لكان ثابتا (1).
ولعله يريد من قوله " على خلاف موضوع اللغة " هو أن النسخ في الحقيقة دفع لا رفع، فالنسخ حينئذ ليس مزيلا حقيقة إلا باعتبار ما قاله من التشبيه.
وعن الفخر الرازي: أن الناسخ هو اللفظ الدال على ظهور انتفاء شرط دوام الحكم الأول.
وعن الغزالي: هو الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت بالخطاب المتقدم، على وجه لولاه لكان ثابتا مع تراخيه (2).
وقد اورد على الرازي والغزالي بأن ذلك حد للناسخ لا للنسخ. وأجيب بأن النسخ كما يطلق على الرفع كذلك يطلق على ما يدل عليه.
وكيف كان، فلا خفاء فيما أرادوه من النسخ، وإن كانت ألفاظهم قاصرة في بيان حده، وهو: رفع الحكم الثابت على وجه لولاه لكان ثابتا. وإذا جاء الناسخ رفعه من حينه، وهذا بخلاف التخصيص، فإنه يخرج الخاص من تحت العام من حين صدور العام. نعم، قد نقل عن بعض الأصحاب إطلاق النسخ على التخصيص أيضا، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
إمكان النسخ:
ثم إن أقوى دليل على إمكان النسخ بالمعنى المذكور هو وقوعه شرعا، وفي القرآن آيات ناسخة لأحكام ثابتة بآيات أخرى، وآيات أخرى قد ادعي أيضا النسخ فيها، سوف يأتي الحديث عنها بالتفصيل عن قريب إن شاء الله.
ولكن بعض فرق اليهود قد ادعت استحالة النسخ استنادا إلى أنه يستلزم أن يكون الشئ الواحد حسنا وقبيحا في آن واحد، لأن ثبوت حكم إنما يكون عن مصلحة فيه، فإذا نسخ فإنما ينسخ لمفسدة فيه، فاجتمع فيه الصلاح والفساد في آن واحد.