وقال بعض المفسرين هنا - ولنعم ما قال -: وقد أثبتت التجربة القطعية أن المجتمعات المؤتلفة لغرض هام كلما قلت أفرادها وقويت رقباؤها ومزاحموها وأحاطت بها المحن والفتن كانت أكثر نشاطا للعمل وأحد في الأثر. وكلما كثرت أفرادها وقلت مزاحماتها والموانع الحائلة بينها وبين مقاصدها ومطالبها كانت أكثر خمودا وأقل تيقظا وأسفه حلما (1).
وعلى هذا، فنحن نقول: إن الآية ناسخة للأولى، وإنها نزلت بعدها وإن كانت حسب الترتيب القرآني متصلة بالأولى، والناسخ يشترط أن يكون متأخرا في الزمان لا في ترتيب الكتاب.
بقي شئ تحسن الإشارة إليه في المقام وهو: أن هذه النسبة - أي نسبة الواحد إلى اثنين - إنما تكون مؤثرة فيما لو كانت في ضمن الكثرة والفئة، كما يشعر به قوله تعالى " إن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين ". وعلى هذا، فلو انفرد اثنان من الكفار بواحد من المسلمين من دون وجود فئة وكثرة فيمكن القول بعدم وجوب الجهاد والثبات على الواحد، كما عن الشيخ في المبسوط والخلاف، والعلامة في القواعد (2).
المورد الثالث عشر:
قوله تعالى * (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) * (3).
قال في الإتقان: إنها منسوخة بآيات العذر، وهي قوله * (ليس على الأعمى حرج) * (4)، وقوله * (ليس على الضعفاء) * الآيتين (5)، وقوله تعالى * (وما كان