وعليه، فنستنتج من كل ما تقدم إلى أن القول الحق هو أن تمييز المكي عن المدني يحتاج إلى الأثر والنقل، وأن ما سواه مما ذكر لا يصلح أن يكون ضابطا ومميزا لذلك.
هل هناك آيات مدنية في سورة مكية أو بالعكس؟
بقي أن نشير هنا إلى أن من البعيد جدا وجود آيات مكية في سورة مدنية، وكذلك العكس، بناء على الاصطلاح المشهور في المكي والمدني.
ولست أدري لماذا إذا نزلت آية في مكة لسبب اقتضى نزولها؟! لماذا لا تجعل هذه الآية جزء لسورة مكية نزلت في ظروف مشابهة؟! ولماذا ينتظر الشهور والأعوام حتى يسافر النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة ثم تجعل حينئذ جزء لسورة مدنية؟
ولماذا يصرف النظر عن الجمع بين ما نزل في عصر واحد ومحيط واحد ومكان واحد إلى الخلط والتشريك بين آيات نزلت في ظروف وأجواء مختلفة؟!
هذا بالإضافة إلى أن القائل بذلك - أي بوجود آيات مدنية في سور مكية وبالعكس - لم يتمسك لإثبات وجهة نظره بشئ مأثور، ولا وصل إليه دليل لا من الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا من الأئمة (عليهم السلام)، بل إنما استند إلى مجرد اجتهادات ظنية مما يشجعنا على القول بأنه لا دليل على هذا الاستثناء ولا حجة عليه.
ومن الموارد التي قيل فيها بوجود آيات مدنية في سورة مكية سورة الرعد، فإنها على ما نقله مجاهد عن ابن عباس مكية كلها، ولكن استثنى الكلبي ومقاتل الآية الأخيرة منها، وهي قوله تعالى * (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) * (1) حيث إنهم يقولون إن هذه الآية قد نزلت في عبد الله بن سلام. وهو إنما أسلم بعد الهجرة فلا يمكن أن تكون هذه - الآية المقصود بها عبد الله بن سلام - مكية.