النبي (صلى الله عليه وآله)، فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن.
وتشهد لما ذكرناه عدة أحاديث ذكرها في الإتقان، وهي:
1 - ما عن ابن أشتة في كتاب المصاحف من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال قال: قد سمعت ربيعة يسأل: لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة، وإنما أنزلتا بالمدينة؟ فقال: قدمتا وا لف القرآن على علم ممن ألفه به، ومن كان معه فيه، واجتماعهم على علمهم بذلك، فهذا مما ينتهى إليه ولا يسأل عنه (1).
2 - ما رواه الحاكم عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) نؤلف القرآن من الرقاع. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (2).
فالمستفاد من هذا الحديث هو أن القرآن كان متفرقا في الرقاع، وأن زيدا ومن معه كانوا يجمعون القرآن في مصحف واحد، وهو عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وواضح أن التأليف يستلزم الترتيب، فإذا كان الترتيب عند الرسول (صلى الله عليه وآله) فالترتيب عنه أيضا وبأمره. ويدل على ذلك اتفاق الأمة، وقبول الصحابة ومن بعدهم لهذا الترتيب الموجود، حتى فيما قبل عثمان، لأن عثمان لم يفعل في القرآن إلا أنه أمر بكتابته على قراءة واحدة، وحمل الناس عليها، ثم أحرق سائر المصاحف، أما الترتيب فإنما حصل بأمر النبي (صلى الله عليه وآله).
مناقشتان وجوابهما:
ثم إنه ربما يورد على ما قلناه سؤال وهو: أنه إذا كان الترتيب قد حصل بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) فلم اختلف الأصحاب في ترتيب مصاحفهم حتى أن أبي بن كعب وابن مسعود قد رتبا مصحفيهما على خلاف ترتيب المصحف الذي بأيدينا اليوم؟