إعجاز القرآن:
لا ريب في أن القرآن معجز خارق للعادة، غير مقدور للبشر الإتيان بمثله، ولا حتى الإتيان بمثل سورة من سوره، ولم يختلف في هذا أحد من المسلمين وإن اختلفوا في وجه إعجازه.
وأما غير المسلمين - ممن كان ينكر إعجاز القرآن - فلربما يكون قد استدل على ذلك بأمور سخيفة توجب فضح المستدل بها، كما حكاه القرآن الكريم عنهم بقوله: * (ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين) * (1).
فجهل هؤلاء قد دفعهم إلى دعوى سخيفة، وهي أن هذا القرآن العربي - الذي بلغ الغاية في فصاحته وبلاغته - تعلمه النبي (صلى الله عليه وآله) من أعجمي لا يحسن العربية.
وكذلك، فإن ما يدعيه بعض المستشرقين من أن القرآن من صنع محمد - حتى أن أحد من يعدونه من أصحاب الآراء الحرة ومن طلاب الحقيقة إذ لا يأخذ إلا بما تؤدي إليه دراسته وبحوثه في الشريعة الإسلامية، وهو جرونيبادم مؤلف كتاب " حضارة الإسلام " - نص على أن القرآن لم يوح إلى النبي (صلى الله عليه وآله) بأكمله، بل كان يوحى إليه رؤي قصيرة ووصايا وأمثال وقصص ذات مغزى أو أحاديث في أصول العقيدة (2).
وإنه لعجيب حقا أن من له معرفة وتعمق في الآداب العربية وله ذوق سليم وإنصاف نجده يقول: إن هذا القرآن هو من صنع نبي أمي، معروف بأنه لم يدرس عند أحد، وهو يتحدى الناس كلهم أن يأتوا بمثله، بل بعشر سور، بل بسورة من مثله، ثم يعجزون على مدى التاريخ، وهم أبرع الناس وأعرفهم بهذا الأمر.
مع أن هذا المستشرق لم ينقل عن أحد أنه أتى بسورة من مثله، فهل يكون قوله هذا " إن القرآن من صنع محمد " إلا تجاهل لهذه الحقيقة أو عدم توجه منه