التي تنسخ عنها المصاحف كلها، ويثق الجميع به وبقرآنيته، بخلاف ما لو قلنا بعدم وجود مصحف عند النبي (صلى الله عليه وآله)، فإن معنى ذلك أن لا يكون لدى المسلمين ثمة قرآن مضبوط ومرتب. وإذا أخذنا بقول من يقول: إن القرآن جمع من صدور الرجال، جمعه زيد بن ثابت اعتمادا على شهادة شاهدين بأن ما عنده قرآن، وربما يكتفي بشهادة شخص واحد كذي الشهادتين - إذا أخذنا بهذا - فعلى القرآن السلام، إذ أن معنى ذلك: أن القرآن قد وصل إلينا اعتمادا على أخبار الآحاد، مع أن مما لا شك فيه لدى كل مسلم هو أن القرآن متواتر سندا، ومستند إلى النبي (صلى الله عليه وآله) استنادا قطعيا لا شك فيه. ولا ندري ما هو السر في أقوال كهذه، ولعلها ترجع إلى تعصب، وإن كان ذلك على حساب القرآن والعقيدة والدين، نسأل الله أن يهبنا وكل من يكتب عن القرآن خلوص النية والإخلاص في العمل والابتعاد عن مزالق التعصب، والله هو الموفق والمسدد.
أدلة هذا القول:
والدليل على أن الجمع للقرآن كان في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) على النحو الذي ذكرناه هو ما يلي:
1 - العقل والاعتبار العقلائي، فإنهما يدلان على أن القرآن قد جمع في عصره (صلى الله عليه وآله)، والقول بأن النبي (صلى الله عليه وآله) قد أهمل القرآن ولم يجمعه حتى جاء زيد وجمعه من صدور الرجال بشاهدين أو بذي الشهادتين لا يصح، وهل يصح ذلك من رسول الله الذي بلغ من شدة اهتمامه بالقرآن وضبطه وحفظه أن ينهى عن العجلة به في قوله تعالى: * (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه) * (1) والذي يعلم أن قرآنه سيكون محورا للحضارة الإسلامية إلى يوم الدين؟ ومعه كيف يمكن تصوره وهو يتركه موزعا في صدور متفرقة؟
2 - طوائف من الأخبار دلت على أن القرآن قد جمع في عصر النبي (صلى الله عليه وآله).