إذ يستفاد من هذا الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد قرر أن كلمة " مطاع ثم أمين " الواردة في هذه الآية إنما هي وصف من الله تعالى لجبرئيل (عليه السلام)، وقد تجلت أمانة جبرئيل (عليه السلام) في أنه كان هو المؤتمن على القرآن، وإيصاله إلى محمد (صلى الله عليه وآله)، كما وظهر أنه مطاع من حيث إنه أمر مالكا، فامتثل.
ومما يؤيد ذلك أيضا ما ورد في أدعية زين العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام) - على ما في الصحيفة السجادية - عند صلواته على كل ملك مقرب: وجبرئيل الأمين على وحيك المطاع في أهل سماواتك، المكين لديك المقرب عندك... الخ.
كما أن الآيات الواردة في أول سورة النجم وهي قوله تعالى: * (والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى...) * شاهد آخر على أن المراد بقوله تعالى: " ذي قوة عند ذي العرش مكين " هو جبرئيل (عليه السلام).
قال في مجمع البيان - وهو يفسر آيات سورة النجم -: يعني جبرئيل القوي في نفسه وخلقته، عن ابن عباس والربيع وقتادة، وعن الكلبي أنه قال: ومن قوته أنه اقتلع قرى قوم لوط من الماء الأسود فرفعها إلى السماء ثم قلبها، ومن شدته صيحته لقوم ثمود حتى هلكوا.
بل إن هذه الآيات - أعني آيات سورة النجم - ليس فقط تصلح دليلا على أن المراد بالرسول ذي القوة المكين هو جبرئيل، بل هي أيضا دليل آخر على ما نحن فيه، إذ أنها تدل على أن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يتكلم بشئ - قرآنا كان أو غيره مما يرتبط برسالته - إلا ويكون ذلك الشئ وحيا، علمه إياه شديد القوى، الذي هو جبرئيل، وهذا هو نفس ما نحن بصدد إثباته.
الأقوال:
هذا، ويتضح بعد كل ما تقدم أن القرآن كله قد نزل على محمد (صلى الله عليه وآله) بواسطة جبرئيل (عليه السلام). ويبدو أن أهل السنة أيضا لا يمانعون في ذلك فقد رووا ذلك عن ابن عباس بأسانيد صرحوا بصحتها.