مرة بعد أخرى، ومع أنهم كانوا في منتهى الحرص على إطفاء نوره وإخفاء أمره على ما شهد به التاريخ، مع كل ذلك نرى أنهم لم يأتوا بسورة من مثله. فلو أنهم كانوا يقدرون على معارضته لما أحجموا عنها، فإنها ولا شك كانت أهون عليهم من إعلان الحرب التي قتل فيها ساداتهم وأبناؤهم.
فهذا أدل دليل على عجزهم عن معارضته، ولا نعني بالمعجزة إلا هذا، وهو يدل على أن هذا القرآن من الله سبحانه. قال تعالى * (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين) * (1).
إذا، فالذي كان يمنعهم من الإقرار بنبوته (صلى الله عليه وآله) وبأحقية ما جاء به ليس إلا الهوى والحمية، وليس هو الجهل والحيرة. وقد أشار الجاحظ إلى ذلك حيث قال:
بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله) أكثر ما كانت العرب شاعرا وخطيبا، وأحكم ما كانت لغة، وأشد ما كانت عدة، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته، فدعاهم بالحجة، فلما قطع العذر وأزال الشبهة وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى والحمية دون الجهل والحيرة حملهم على حظهم بالسيف، فنصب لهم الحرب، ونصبوا له... الخ (2).
قال الله تعالى * (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا) * (3).
وقال سبحانه * (إنه كان لآياتنا عنيدا) * (4).
معارضات القرآن:
قد نسب إلى البعض محاولته التصدي لمعارضته القرآن الكريم بعبارات ينبغي نقلها ليطلع عليها القارئ الكريم ويحكم هو بنفسه، وقد أنهى الرافعي عدد