المختار في وجه الإعجاز:
وأما ما نختاره في وجه إعجاز القرآن فهو يتلخص في أن التحدي لابد وأن يكون في أمر موجود في جميع السور القرآنية، حتى السورة القصيرة منه. إذا فالقول بأن التحدي بالإتيان بمثله ناظر إلى الإخبارات الغيبية التي في القرآن، أو حكاية قصص الماضين، أو إشاراته إلى مكارم الأخلاق، ونهيه عن رذائلها، أو غير ذلك مما ذكروه، مما لا يتأتى في كل سورة سورة منه، ولا نجد ما يعجزون عنه مما هو مشترك بين جميع سور القرآن حتى القصار منها سوى جهة الفصاحة والبلاغة وحسن الأسلوب، وهذا ما أعجزهم حتى عن الإتيان بسورة من مثله.
وذلك لا ينافي القول بأن القرآن الكريم كان معجزا لهم من نواح أخرى أيضا، مثل إخباراته عن جملة من الحوادث المهمة، والسير العجيبة التي وقعت من حين خلق الله آدم إلى حين مبعثه (صلى الله عليه وآله)، مع أنه أمي لا يكتب ولا يقرأ، وكل الناس كانوا يعرفون أنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يعرف شيئا من كتب المتقدمين، أو مثل إخباراته الغيبية التي تحققت على وفق ما أخبر به، مما لا يمكن أن يقدر عليه البشر.
ولكن هذان الموردان ونظائرهما من موارد الإعجاز لا يعم مختلف سور القرآن، إذ ليس في كل سورة إخبارات غيبية ولا قصص عن الماضين أو غير ذلك مما تقدم.
وما اخترناه في وجه إعجاز القرآن هو الظاهر من قوله تعالى * (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) * (1).
فإن من تدبر القرآن يجد أنه لا اختلاف في آياته ولا تفاوت في سوره، بل كل ما فيه في أحسن نظم وتأليف، متضمن لأصح المعاني بأفصح الألفاظ، من غير فرق في ذلك بين ما نزل في توحيد الذات وبين ما نزل في توحيد الصفات، وكذا لا فرق بين ما أرشد به الناس إلى محاسن الصفات وبين ما هداهم به إلى مساوئها، ولا فرق أيضا بين ما يبين الحلال والحرام وبين ما يحكي به القصص والأحوال.