والشيخ الحائري اليزدي في كتاب الصلاة، والإمام الخوئي في تفسير البيان، وغيرهم ممن قارب هذا العصر، ممن يقول بعدم تواتر القراءات، مع القول بجواز القراءة بكل من القراءات السبع.
تلك هي الأقوال في تواتر القراءات وعدمها، وهي توضح أنه لا إجماع على تواتر القراءات ولا على عدمه، ومن هنا فلا مضايقة في أن يختار الباحث أيا من القولين، إذا قام لديه الدليل على ضرورة أو رجحان الالتزام به، ولا يكون بذلك مخالفا للإجماع، ولا لما هو معلوم بالضرورة.
اختلاف القراءات على نحوين:
أحدهما: الاختلاف في المواد، الناشئ عن الفهم الخاطئ لحديث " نزل القرآن على سبعة أحرف " حيث فهم منه عبد الله بن مسعود وغيره من القراء جواز قراءة القرآن على سبعة أنحاء، بمعنى أنه يجوز تبديل الألفاظ القرآنية بمرادفاتها، وقد نقل عن ابن مسعود أنه بدل قوله تعالى: * (كالعهن المنفوش) * بقوله " كالصوف المنفوش " وبدل أبي بن كعب قوله تعالى: * (كلما أضاء لهم مشوا فيه) * بقوله " مروا فيه " أو " سعوا فيه ". وقرأ أنس: * (هي أشد وطأ وأقوم قيلا) *: " وأصوب قيلا " معللا ذلك بأن أصوب وأقوم وأهيأ بمعنى واحد.
وبعد أن اشتد هذا التبديل وبلغ حدا أفزع حذيفة فقدم على عثمان، وقال له:
أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، وفي رواية: أن عثمان قال له: وما ذلك؟ قال حذيفة: إن أهل العراق يقرأون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع أهل الشام فيكفر بعضهم بعضا.
وقد قدمنا في مقال سابق أن معنى حديث " نزل القرآن على سبعة أحرف " ليس هو على ما فهمه ابن مسعود، بل المراد هو وجود المعاني فراجع (1).