أولا: أن هذا المستدل غفل عن أن الألفاظ أيضا يمكن أن تلقى في القلب.
وإذا كان ذلك فما هو المبرر للقول بأن خصوص المعاني هي الملقاة؟! ولم لا يكون القرآن بمعانيه وألفاظه قد نزل على قلب النبي (صلى الله عليه وآله) حسب ما دلت عليه تلك الآيات والروايات والمؤيدات التي قدمنا شطرا منها.
وثانيا: أن إلقاء المعاني في قلبه (صلى الله عليه وآله) ينافي ما دلت عليه الآيات والروايات الكثيرة من قعود جبرئيل عند النبي وقراءته القرآن عليه وتلاوته له، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) بعد تمام الوحي كان يقرأ الآيات النازلة ويقول: هكذا قال جبرئيل.
نعم، قد ورد أنه (صلى الله عليه وآله) قال في حجة الوداع: ألا إن الروح الأمين نفث في روعي: إنه لا تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب (1).
ولعل المقصود هنا بالنفث الإلهام كما في بعض كتب اللغة، نفث في روعي كذا:
أي ألهمته (2).
ولكن من الواضح أن ما عبر عنه في حجة الوداع بأنه القي في روعه أو ألهمه ليس قرآنا، وعليه فلا مانع من أن يكون القرآن يلقى إليه بلفظه ومعناه، وغيره لا يعتبر فيه ذلك.
خلاصة وخاتمة:
فقد ظهر من كل ما تقدم أن الألفاظ القرآنية وترتيبها كان من الله عز وجل، لا من النبي (صلى الله عليه وآله) ولا من جبرئيل، وهذا مما دلت عليه الآيات الكثيرة والروايات المعتبرة، وأنه ليس في خطب الرسول ما يشبه أسلوبه أسلوب القرآن، وأن قوله تعالى: " نزل به الروح الأمين * على قلبك " لا يدل على إلهام المعاني دون الألفاظ.
والحمد لله أولا وآخرا، وصلاته وسلامه على نبيه وآله.