فمثلا نجد البخاري تارة يروي أن عمر أتى أبا بكر وقال له: إني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقال له أبو بكر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله) - إلى أن قال: - قال أبو بكر لزيد: إنك رجل شاب لا نتهمك... قال زيد: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال (1).
وتارة يروي عن أنس ما ينافي ذلك، يقول أنس: مات النبي (صلى الله عليه وآله) ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد، ونحن ورثناه (2).
وعليه، فكيف يمكن الجمع بين هاتين الروايتين هنا؟ إلا إذا قلنا: إن كلمة " صدور الرجال " في الرواية الأولى زيادة من الرواة، فحينئذ لا يبقى تناقض بين الروايات، ويصح حينئذ ما ذكره أبو شامة آنفا.
سؤال وجوابه:
وإذا قبلنا أن أبا بكر إنما نقل مصحفه عما كان قد كتب وجمع بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) فإننا نبقى أمام سؤال: هل أن زيدا ومعاونيه قد نقلوا مصحفهم من الأوراق التي كانت جمعت في بيت النبي - كما يراه الحارث المحاسبي في كتاب " فهم السنن " حيث قال: إنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيها القرآن فجمعها جامع (3) -؟ أم أن زيدا كتب المصحف لأبي بكر من الأوراق التي كانت في أيدي الصحابة الجامعين حيث إنهم كانوا يعطون للنبي نسخة مما نسخوه وكتبوه - كما نص عليه البعض (4) - والظاهر أنهم كانوا يحتفظون لأنفسهم أيضا بنسخة مماثلة، فنسخة أبي بكر كتبت مما في أيديهم؟
وأما ما كان في بيت النبي (صلى الله عليه وآله) فأخذه علي (عليه السلام) بأمر الرسول حيث قال