مصاحف الصحابة تقديم:
إن كتابة العلوم - أيا كانت - أمر يستحسنه العقل ويقتضيه الطبع، وذلك لما فيه من الحفاظ على العلوم وصونها من الضياع. وإذا كان الأمر كذلك فإننا نعرف أنه إذا ورد حديث دال على خلاف ذلك (1) أو ثبت أنه (صلى الله عليه وآله) قد نهى بعض الصحابة عن الكتابة والتدوين فلابد وأن يحمل على بعض الوجوه التي لا تنافي الحسن العقلي والطبعي المشار إليه. ولأجل ذلك نجد النووي يقول: وفيه (أي في الذي هو بصدد شرحه) جواز كتابة الحديث وغيره من العلوم الشرعية، لقول أنس لابنه: اكتبه. بل هي مستحبة.
وجاء في الحديث النهي عن كتب الحديث، وجاء الإذن فيه. فقيل: كان النهي لمن خيف اتكاله على الكتاب وتفريطه في الحفظ مع تمكنه منه. والإذن لمن لا يتمكن من الحفظ. وقيل: كان النهي أولا لما خيف اختلاطه بالقرآن، والإذن بعده لما أمن من ذلك. وكان بين السلف من الصحابة والتابعين خلاف في جواز كتابة الحديث، ثم أجمعت الأمة على جوازها واستحبابها، والله أعلم (2).