ثم لا يخفى أن قيام الليل ربما يحصل بصلاة الوتر فيتداخلان وتكون صلاة الوتر هذه امتثالا لكلا الحكمين، وربما يحصل قيام الليل بقراءة القرآن المجيد فيسقط به وجوب القيام ويبقى وجوب الوتر على حاله.
فإذا تبين أنه يجب على النبي (صلى الله عليه وآله) في الليل أمران فإن هذا الوجوب يبقى إلى أن يثبت الناسخ كما في غيرها من الأحكام، وقد تقدم عن قريب بعض الأقوال في ذلك. ونضيف هنا ما ذكره الشيخ محمد حسن في جواهر الكلام حيث قال: وعن بعض الشافعية أن ذلك (يعني وجوب القيام) قد نسخ، وعن آخرين: أن ذلك كان واجبا عليه وعلى الأمة ثم نسخ. ثم قال: ولم يثبت شئ من ذلك عندنا.
وحيث إن بحثنا هذا خاص في الآيات القرآنية المنسوخة فلسوف نقتصر على الحديث عن نسخ وجوب قيام الليل الثابت بالقرآن، ونترك الحديث عن نسخ وجوب صلاة الوتر لأنها إنما ثبتت بالقرآن - إلا على قول من قال: إن قيام الليل كناية عن الصلاة فيه، ومن ذلك صلاة الوتر - فنقول:
الذي يظهر لنا هو أن الآية التي في أول السورة منسوخة بالآية التي في ذيل السورة " إن ربك يعلم... الخ ". حيث إنها تفيد أن وجوب القيام الثابت في حق النبي - وكان بعض الصحابة يقومون معه (صلى الله عليه وآله) تأسيا واتباعا - كان صعبا جدا على أكثر الناس، الذين لا يتيسر لهم عادة إحصاء نصف الليل أو ثلثه أو ثلثيه، كما قال تعالى * (علم أن لن تحصوه... الخ) * فجاء الترخيص لهم بترك القيام في الليل، واستعيض عنه بقراءة القرآن.
ومن المعلوم أن هذا نسخ لما كان واجبا، ولما كان بعض الصحابة يفعله تأسيا واتباعا فما ذكره بعض المحققين من أن هذا تخفيف لا نسخ - كما تقدم - لا يصح، لأن ما كان واجبا تعيينا إذا زال حكمه كان ذلك نسخا، سواء بقي بعد ذلك على الاستحباب إذا دل دليل على ذلك من إطلاق أو عموم لأدلة العمومات أم لا.
هذا، ولا تفوتنا أخيرا الإشارة إلى أن المراد من قوله تعالى " ما تيسر " هو ما يسهل على الناس، وهم منه في يسر وراحة، وهو يختلف باختلاف الناس قوة