وهذا بذاته يكشف عن أن هذا القرآن هو من عند الله تبارك وتعالى.
وإدراك ذلك لا يتوقف على النبوغ في علوم المعاني والبيان والمحسنات البديعية، بل هو في القرآن بحد أنه ربما يعرفه ويكتشف حسنه حتى من لم يكن من أهل تلك العلوم ولا من النوابغ فيها. نعم، لو أراد شخص الاطلاع على محاسن القرآن تفصيلا فعليه أن يطالع ما الف من الكتب حول إعجاز القرآن، ويتأمل ويتدبر، مثل دلائل الإعجاز للشيخ عبد القاهر الجرجاني، الذي قال في مدخل كتابه ما حاصله: إن من أراد الاطلاع على ما في القرآن من عظيم المزية وباهر الفضل وعجيب الوصف فينبغي له أن ينظر في الكتاب الذي وضعناه (1).
ولا يخفى أن هذا التناسق العجيب في الأسلوب وهذا الإعجاز في فصاحته وبلاغته مختص بالقرآن الكريم، حيث لا تفاوت بين أوله وآخره، ولا بين آياته وكلماته، وهذا بخلاف ما صدر من البشر، من الخطب والمدائح والأهاجي. فلربما يوجد الاختلاف حتى في الخطب أو الأشعار، بل وحتى القصيدة الواحدة والخطبة الواحدة للشاعر والخطيب الواحد. وكذا الاختلاف بين المدح والهجاء، وبين ما يقوله في وصف الخمر وبين ما قاله في وصف الرياض، فإن القدرة البشرية محدودة، قد لا تصل إلى الكل في مستوى واحد وعلى نسق واحد.
خلاصة البحث:
فتحصل مما ذكرناه: أن النبي يحتاج في صدق دعواه إلى المعجز، وأن أهم معجزات نبينا (صلى الله عليه وآله) هو القرآن الكريم، وأنما يتحدى به الناس هو الإتيان بسورة واحدة تشبه سوره في الفصاحة والبلاغة والأسلوب. وهذا لا ينافي أن يكون القرآن معجزا من نواح أخرى. وأن من يتدبر القرآن يعرف أنه من الله تعالى ولو لم يكن له مهارة في الآداب والعلوم العربية المبينة لوجوه الفصاحة والبلاغة.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين.