إنزال القرآن قبل أن يأتيك وحيه، فإن الله تعالى إنما ينزل القرآن على وفق المصلحة واقتضاء الوجه.
هذا، والظاهر بعد التدبر في الآية أنه يحتمل في قوله تعالى: " من قبل أن يقضى إليك وحيه " وجهان:
الأول: أن يكون نهيا للنبي (صلى الله عليه وآله) عن التعجيل في قراءة القرآن قبل أن يوحى إليه، فكأنه (صلى الله عليه وآله) كان مطلعا على القرآن قبل أن يوحى إليه ثانيا، ولكنه قد منع عن الإظهار في هذه الآية. ويؤيد هذا الوجه الرواية الدالة على أن القرآن قد نزل على النبي (صلى الله عليه وآله) دفعة قبل أن ينزل عليه نجوما.
لكن هذا الوجه لا يتلاءم ولا ينسجم مع التعبير بكلمة " يقضى " أي يوصل الواردة في الآية، لأنه في معنى قبل أن يتم لا قبل أن يأتي، كما هو مقتضى الوجه.
الثاني: أن يكون نهيا للنبي (صلى الله عليه وآله) عن القراءة قبل كمال الوحي وتمامه، ويكون وزان هذه الآية وزان قوله تعالى: " لا تحرك به لسانك لتعجل به ".
ويشهد لهذا الوجه أنه (صلى الله عليه وآله) لم يكن يعلم الكتاب، كما قال عز وجل: * (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان) * (1) وإن كان يحتمل أن تكون هذه الآية لبيان حال النبي (صلى الله عليه وآله) قبل نزول الوحي عليه دفعة ونجوما.
ويشهد لهذا الوجه أيضا التعبير في الآية بكلمة " يقضى " الدالة على أنه (صلى الله عليه وآله) كان يعجل بالقرآن قبل انقضائه أي قبل تمام الوحي.
أقرب الوجوه:
وهذا الوجه في الآية هو الأقرب للاعتبار بالنظر إلى سياق الآية، واعتضاد هذا السياق بالآية الأخرى المشار إليها آنفا، أعني قوله تعالى: " لا تحرك به لسانك... الخ ".