المورد الثامن:
قوله تعالى * (إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) * (1).
قال في الإتقان: إنها منسوخة بقوله بعده * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * (2).
وقال العتائقي: فشق نزولها " إن تبدوا... الآية " عليهم، ثم نسخ ذلك بقوله:
" لا يكلف الله نفسا إلا وسعها "، والمنسوخ قوله: " أو تخفوه ".
ولكن لم يعد تفسير النعماني هذه الآية من المنسوخات فيما نقله عن علي، وكذلك فإن الإمام الخوئي لم يتعرض لها، وكأنه لا يراها من الآيات المنسوخة.
وقال في مناهل العرفان: والذي يظهر لنا أن الآية الثانية مخصصة للأولى، وليست ناسخة، فكان مضمونها: أن الله تعالى كلف عباده بما يستطيعون مما أبدوا في أنفسهم أو أخفوا، لا تزال هذه الإفادة باقية، وهذا لا يعارض الآية الثانية، حتى يكون ثمة نسخ.
وفي مجمع البيان للطبرسي قال: قال قوم: إن هذه الآية منسوخة بقوله: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها " ورووا في ذلك خبرا ضعيفا، وهذا لا يصح، لأن تكليف ما ليس في الوسع غير جائز، فكيف ينسخ؟ وإنما المراد بالآية ما يتناوله الأمر والنهي من الاعتقادات والإرادات. وغير ذلك مما هو مستور عنا - إلى أن قال: - فعلى هذا يجوز أن تكون الآية الثانية مبينة للأولى، وإزالة توهم من صرف ذلك إلى غير وجهه، وظن أن ما يخطر بالبال أن تتحدث به النفس مما لا يتعلق بالتكليف فإن الله يؤاخذ به، والأمر بخلاف ذلك.
ولكن الظاهر لنا من الآية الشريفة هو أن معناها: أن ما في أنفسنا من السوء سواء ابدي أو أخفي مما يحاسب الله به فله تعالى أن يغفر لمن يشاء فضلا ويعذب من يشاء عدلا.
ويؤيد هذا المعنى ما ورد في الأخبار الكثيرة من المؤاخذة على النية، وهي كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال: