وأما أنها غير منسوخة بقوله تعالى * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) * بعدم تسليم العموم في قوله " انفروا " ولم نقل إنه خاص بمن أمر فاثاقل، كما في قوله تعالى: * (ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم) * (1) - لو سلمنا هذا - فإننا نقول: إنه إذا تعارض العام وهو جميع المسلمين، والخاص وهو بعضهم، فطريق الجمع بينهما هو أن يحمل العام على الخاص، لشيوع التخصيص، خصوصا من المقننين الذين يصدرون عادة أحكاما عامة أو مطلقة أولا، ثم يخصصونها أو يقيدونها.
هذا بالإضافة إلى ما سبق من بعض المحققين من أن ظاهر قوله تعالى " وما كان المؤمنون... الخ " هو أن النفر لم يكن واجبا على جميع المسلمين من بداية الأمر.
هذا كله على فرض التسليم بأن المراد بالنفر هو الخروج إلى الجهاد، وأما إذا كان المراد منه النفر إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وتشرفهم بلقائه (صلى الله عليه وآله) ليستفيدوا ويتفقهوا منه (صلى الله عليه وآله) فلا يكون للآية صلة بالجهاد، وتخرج عن موضوع البحث في النسخ.
ولعل ظهور الآية يعطي ذلك، لأن كلمة " فلو لا " التحضيضية لنفر طائفة منهم ظاهر في أنه يجب على هذه الطائفة منهم الخروج، ثم عين غاية خروجهم هذا بقوله " ليتفقهوا " ومن المعلوم أن النفر للتفقه لا يكون إلا إلى النبي لا إلى الجهاد، وتدل على هذا المعنى - الذي نرى أنه هو ظاهر الآية - أخبار كثيرة، نذكر منها على سبيل المثال:
1 - ما رواه الشيخ الكليني بسند صحيح عن يعقوب بن شعيب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا حدث على الإمام حدث كيف يصنع الناس؟ قال: أين قول الله عز وجل * (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) * (2) قال: هم في عذر ما داموا في الطلب، وهؤلاء