ولا يبتدئون فيها القتال، وكذلك في الحرم. وإنما أباح الله تعالى للنبي (صلى الله عليه وآله) قتال أهل مكة عام الفتح، فقال (صلى الله عليه وآله): إن الله أحلها لي في هذه الساعة، ولم يحلها لأحد من بعدي إلى يوم القيامة (1).
ثم إن التأمل في هذه الآية يعطي أنها محكمة غير منسوخة، فإنها قررت تحريم القتال في الشهر الحرام، حين ورد فيها قوله تعالى " قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله " ولكن لو كان القتال جزاء لما هو أعظم وأشد منه لم يكن فيه بأس.
ويستفاد من الآية أنها وقعت عن سؤال حول قضية حدثت آنذاك، ولعلها هي ما في تفسير البرهان في بيان هذه الآية: عن علي بن إبراهيم: أنه كان سبب نزولها أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما هاجر إلى المدينة بعث السرايا إلى الطرقات التي تدخل مكة، يتعرض بعير قريش، حتى بعث عبد الله بن جحش في نفر من الصحابة إلى النخلة - إلى أن قال: - وقد نزلت العير وفيهم عمرو بن عبد الله الحضرمي، وكان حليفا لعتبة بن ربيعة، فقال ابن الحضرمي: هؤلاء قوم عباد ليس علينا منهم بأس، فلما اطمأنوا ووضعوا السلاح حمل عليهم عبد الله بن جحش فقتل ابن الحضرمي وقتل أصحابه، وأخذوا العير بما فيها وساقوها إلى المدينة. فكان ذلك أول يوم من رجب من أشهر الحرم، فعزلوا العير وما كان عليها، ولم ينالوا منها شيئا.
فكتبت قريش إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنك استحللت الشهر الحرام، وسفكت فيه الدم، وأخذت المال. وكثر القول في هذا، وجاء أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقالوا:
يا رسول الله، أيحل القتل في الشهر الحرام؟ فأنزل الله " يسألونك عن الشهر الحرام " الآية.
فتحصل: أن القتال الذي وقع في الشهر الحرام بإذن النبي (صلى الله عليه وآله) لا يدل على نسخ حرمة القتال فيه، لأنه إنما كان جزاء لما هو أعظم وأشد.
هذا بالإضافة إلى أن صدر الآية - وهو قوله: " قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به... الخ " - يأبى عن النسخ، إذ كيف ينسخ أمر كبير فيه صد وكفر؟!