وعن تفسير النعماني (1) - الذي نقله المجلسي (2) ولخصه السيد علم الهدى في رسالة المحكم والمتشابه - عن علي (عليه السلام) أنه كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أول مبعثه يصلي إلى بيت المقدس جميع أيام بقائه بمكة، وبعد هجرته إلى المدينة بأشهر عيرته اليهود وقالوا: أنت تابع لقبلتنا، فأحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك منهم، فأنزل الله عليه - وهو يقلب وجهه في السماء وينتظر الأمر - * (قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره) * الآية (3).
وقال الزرقاني: إنه لا تعارض بين الآيتين حتى تكون إحداهما نسخا، فإن معنى قوله تعالى " ولله المشرق والمغرب... الخ " أن الآفاق كلها لله، وليس الله في مكان خاص منها، وليس له جهة معينة فيها، وإذا فله أن يأمر عباده باستقبال ما يشاء من الجهات في الصلاة، وله أن يحولهم من جهة إلى جهة (4).
وقريب منه ما في تفسير بعض الأعاظم، بل كلامه أتى من كلام الزرقاني، حيث قال في تفسير قوله تعالى * (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب) * الآية (5):
أما اعتراضهم فهو أن التحول عن قبلة شرعها الله سبحانه للماضين من أنبيائه إلى بيت ما كان به شئ من هذا الشرف الذاتي ما وجهه؟ فإن كان بأمر من الله فإن الله هو الذي جعل بيت المقدس قبلة، فكيف ينقض حكمه وينسخ ما شرعه؟
واليهود ما كانت تعتقد النسخ. وإن كان بغير أمر الله ففيه الانحراف عن مستقيم الصراط، والخروج من الهداية إلى الضلال، وهو تعالى وإن لم يذكر في كلامه هذا الاعتراض إلا أن ما أجاب به يلوح ذلك.