أيضا كما يقال: هو أسخى الناس، ومن حاتم ومن هرم، لأن تأويل قولك أسخى الناس، إنما هو أسخى الناس. وقال الزجاج: تقديره ولتجدنهم أحرص من الذين أشركوا. وقيل: إنما دخلت من في قوله (ومن الذين أشركوا)، ولم يدخل في قوله (أحرص الناس)، لأنهم بعض الناس، والإضافة في باب أفعل لا يكون إلا كذلك. تقول: الياقوت أفضل الحجارة، ولا تقول: الياقوت أفضل الزجاج، بل تقول: أفضل من الزجاج، فلذلك قال: (ومن الذين أشركوا)، لأن اليهود ليسوا هم بعض المجوس، وهم بعض الناس.
وقوله: (وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر) فيه وجوه أحدها: إن هو كناية عن أحدهم الذي جرى ذكره، و (أن يعمر) في موضع رفع بأنه فاعل تقديره وما أحدهم بمزحزحه من العذاب تعميره، كما يقال: مررت برجل معجب قيامه.
وثانيها: إنه كناية عما جرى ذكره من طول العمر. وقوله (أن يعمر) بيان لقوله هو، وتقديره: وما تعميره بمزحزحه من العذاب، وكأنه قيل: وما هو الذي ليس بمزحزحه، فقيل: هو التعمير. وثالثها: إنه عماد و (أن يعمر) في موضع الرفع بأنه مبتدأ، وبمزحزحه خبره. ومنع الزجاج هذا القول الأخير قال: لا يجيز البصريون ما هو قائما زيد، وما هو بقائم زيد، بمعنى الأمر والشأن. وقال غيره: إذا كانت ما غير عاملة في الباء، جاز كقولهم: ما بهذا بأس.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن أحوال اليهود، فقال: (ولتجدنهم) أي:
ولتعلمن يا محمد هؤلاء اليهود. وقيل: يعني به علماء اليهود (أحرص الناس على حياة) أي: أحرصهم على البقاء في الدنيا، أشد من حرص سائر الناس. (ومن الذين أشركوا) أي: ولتجدنهم أحرص من الذين أشركوا، وهم المجوس، ومن لا يؤمن بالبعث. وقال أبو علي الجبائي: إن الكلام تم عند قوله (على حياة). وقوله: (ومن الذين أشركوا) تقديره ومن اليهود الذين أشركوا من يود أحدهم لو يعمر ألف سنة، فحذف من. وقال علي بن عيسى: هذا غير صحيح، لأن حذف من لا يجوز في مثل هذا الموضع. وقال أبو مسلم الأصفهاني: إن في هذا الكلام تقديما وتأخيرا، وتقديره ولتجدنهم وطائفة من الذين أشركوا، أحرص الناس على حياة.
وأقول: إذا جاز ها هنا أن يحذف الموصوف الذي هو طائفة، وتقام الصفة