وكيف كان، فقد أمر عثمان عدة من الصحابة بكتابة مصحف مطابق للمصحف الذي كتب في عصر أبي بكر، عن ذلك الذي كتب في عصر النبي (صلى الله عليه وآله) وجمع الناس على قراءة واحدة مطابقة للألفاظ الواردة فيه وقضى على الألفاظ المترادفة ولم يبق منها شيئا.
ثانيهما: الاختلاف في صور الألفاظ القرآنية، والظاهر أن منشأ هذا هو خلو المصاحف عن النقط والشكل، حيث إن الكلمات الخالية عن ذلك يختلف الناس في قراءتها بحسب أذواقهم وأفهامهم.
وقد بدأ هذا الاختلاف بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) وصحابته الذين سمعوا القرآن منه فكانوا يقرأونه حسب سماعهم، والقرآن في عهدهم مسموع لا مكتوب.
وأما البعيدون عن مركز الدعوة وعن النبي (صلى الله عليه وآله) وصحابته فلابد وأن يعتمدوا على القرآن المكتوب لا المسموع، والمكتوب كان فاقدا للنقط والإعراب مما يوجب اختلافهم في كيفية قراءته، ثم يزيد الاختلاف بازدياد القراء باستمرار.
وكمثال على ذلك نشير إلى الاختلاف الواقع في قوله تعالى * (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) * (1).
ففي قوله " أأنذرتهم " قرأ عاصم وحمزة والكسائي بهمزتين، وقرأ أهل الحجاز وأبو عمرو بالمد وتليين الهمزة الثانية، وقرأ ابن عامر بألف بين همزتين، نقل هذه القراءات الثلاث الطبرسي (رحمه الله) في مجمع البيان.
وقرأ ابن محيض بهمزة واحدة على لفظ الخبر، وهمزة الاستفهام مرادة. وقرأ الأكثرون على لفظ الاستفهام، إلا أن أكثر العرب لا يحقق الهمزتين، لأن الهمزة تخرج بكلفة، فالنطق بها يشبه التهوع. ومنهم من يحقق الأولى ويجعل الثانية بين بين، أي بين الهمزة والألف. ومنهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا، كما فعل ذلك في آدم. ومنهم من يحقق الهمزتين ويفصل بينهما بألف. ومن العرب من يبدل الأولى