كان الإيمان هو التصديق للزم التكرار، مع أن مقتضى ما تقرر فيما سلف هو أن الإيمان هو التصديق.
أقول: الإيمان هو التصديق القلبي والتصديق هو الاعتقاد العقلي حسب الإدراك العلمي والبرهاني، وبينهما الفرق الواضح، فإن القلب مركز ظهور التصديقات العقلية البرهانية، ومهبط آثار الاعتقادات العلمية، فكم من عالم معتقد بمسائل كثيرة في العلوم، ولا يذوق قلبه منها شيئا، ولا يكون قلبه مهبطا ومنزلا لتلك الكليات المفهومية الإدراكية، بل امتلأ قلبه بالكفر والإلحاد والزندقة والشرور.
فعلى ما تحصل تبين: أن من جنود العقل هو التصديق والاعتقاد، قبال الإنكار وعدم انشراح صدره للتوحيد والإسلام والولاية، ومن جنوده الإيمان بظهور انشراح الصدر للإسلام فيه، وإذا كان الأمر قلبيا يكون المؤمن فاعل الخيرات طبعا، ويفر من الشرور قهرا، وعليه يحمل تفسير الإيمان بالعمل بالأركان، فإن هذا العمل لازم ذلك الإيمان بالضرورة والوجدان، وإلى هذا يشير قوله تعالى في سورة الأنفال: * (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون * الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون * أولئك هم المؤمنون حقا لهم درجات عند ربهم) * (1)، فإنه يستشم منه: أن الإيمان من الأعمال القلبية، ومن آثاره الازدياد إيمانا باستماع الآيات، ومن آثاره إقامة الصلاة والإنفاق، كما في هذه الآية الثالثة من البقرة.