وخصوصياته، حتى تنجو من المهالك الآتية، والعقبات التي تنتظرك من قريب وإن تظنها - نعوذن بالله - بعيدة. وتفكر في آياته، وانظر كيف يهديك في نهاية اللطف، وكيف يقوم بهدايتك في غاية الإعزاز والتكريم، فيقول في صورة الأدب * (يؤمنون بالغيب) *، أي هم إذا استشعروا يتوجهون إلى لزوم ذلك، من غير احتياجهم إلى الأمر فيؤمنون بالغيب، ويهذبون ذواتهم وفطرتهم المخمورة بالإيمان بالغيب، وبعقد القلب على تركيز الغيب في قلوبهم، ثم يقومون لترسيخ ذلك بإقامة الصلاة والأعمال البدنية، وتهذيب البدن ومزاجه الطبيعي بالصلاة، التي هي الحركات المعتدلة المناسبة للمحافظة على مزاجه وعلى صحته، فإن الصلاة مرقاة أهل القلوب، وميدان أرباب الصراع، فهي أس كل شئ إن قبلت قبل ما سواها، وإن ردت رد ما سواها.
ثم بعد الفراغ من التهذيبين - التهذيب الروحاني القلبي والتهذيب المادي البدني - يشرع في تهذيب غيره بإنفاق ما عنده، فإن رحى الاجتماع تدور عليهم، ومسؤولية عائلة البشر متوجهة إلى هؤلاء السالكين المهذبين، فعليهم تنظيم الأمور بمقدار الميسور، فينفقون ما عندهم حتى يتمكنوا من أن يعيشوا في ظل ذلك الإنفاق والإعطاء.
فالأمر بالإنفاق من غير نظر إلى خصوصية في كيفية من كيفياته، ليس إلا لأجل أن الإنفاق - من كل شئ على كل شخص في كل حال وزمان - من الأمور الحياتية ومن المصالح الاجتماعية، التي بمراعاتها تبقى الحياة الفردية، ويحصل التهذيب الفرداني، ويتمكن الإنسان من القيام بالعيش الوحداني، فما ترى من العمومات والإطلاقات المختصة بهذه الكريمة - أي بقوله تعالى: * (ومما رزقناهم ينفقون) * - ليس إلا لأجل