المعاني الحرفية جامع ذاتي، فلا يعقل كون " ذا " موضوعا لمطلق الإشارة الأعم من القريب والبعيد، ولو سلمنا ذلك، ولكن المتبادر من اللغة والعرف، أن كل واحد من هذه الكلمات ذات وضع شخصي لا نوعي، فيكون " هذا " موضوعا بوضع على حدة، و " ذاك " بوضع ثان، و " ذلك " بوضع ثالث ولو بالوضع الشخصي التعيني دون التعييني، وحصل بالاستعمالات العربية هذه الأوضاع لتلك الألفاظ والقوالب، فكون " ذلك " للبعيد مقابل الحاضر مما لا يكاد ينكر بالضرورة، وأما أنها للبعيد مقابل المتوسط الغائب فهو أمر غير ثابت.
وما هو الأظهر: أن حروف الإشارة بين ما تختص بالحاضر وما تختص بالغائب، ولا يكون فيها ما هو المشترك بينهما، كما لا يوجد مثل ذلك في الضمائر أيضا، وهذا من الشواهد على عدم وجود الجامع بين هذه المعاني، أو عدم لحاظ الواضع ذلك الجامع لوضع لفظة له.
ومن العجيب: أن الفخر - رجما بالغيب - يقول: إن اللام في " ذلك " للتأكيد (1)، وما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين، ولا داعي إلى هذا الخرص.
فعلى ما تقرر تبين: أن كون الهاء للتنبيه أيضا مما لا أصل له، بل " ذا " و " هذا " للإشارة، كما أن " تا " و " تي " و " ذي " أيضا للإشارة إلى المؤنث، قال ابن مالك:
بذا لمفرد مذكر أشر * بذي وذه تي تا على الأنثى اقتصر (2)