يكن معها استنارة صفحة القلب بأنوار الهداية، وتصورها بصورة المطالب الحقة الإلهية. والقرآن متضمن لها، وهي العروة الوثقى فيه لما ذكرنا، ولما كانت هذه السورة مع وجازتها، متضمنة لمعظم ما في الكتب السماوية من المسائل الحقة، والمقاصد اليقينية المتعلقة بتكميل الإنسان وسياقته إلى جوار الرحمن، فلابد وأن يتحقق فيها جميع ما يحتاج الإنسان إليه منها، فنقول: هي هكذا:
أما اشتمالها على علم المبدأ، فقوله تعالى بعد التشرف بمقام الذكر والتسمية: * (الحمد لله رب العالمين) *، فإنه يومي إلى العلم بوجود الحق الأول، وأنه مبدأ سلسلة الوجودات، وموجد كل العوالم والمخلوقات، وقوله: * (الرحمن الرحيم) * إلى العلم بصفاته الجمالية وأسمائه الحسنى، وقوله: * (مالك يوم الدين) * إلى إثبات أنه غاية وسبب نهاني للمخلوقات، مع الإشارة إلى أسمائه الجلالية. ويشير إلى العلم الوسط قوله: * (إياك نعبد وإياك نستعين) * وهو العلم بالأعمال والأحوال التي يجب معرفتها ما دام في هذه النشأة وهذه الحياة، وهي بدنية وقلبية:
فالبدني: تهذيب المظاهر عن الأنجاس وتربيته بالصلاة والصيام والحج وغيرها.
والقلبي: تهذيب الباطن عن الغشاوات وخبائث الملكات.
وإلى هذه الأسرار يشير أيضا قوله: * (إهدنا الصراط المستقيم) *.
وأما اشتمالها على علم المعاد، وهو العلم بأحكام النفس بعد الفراق وخصوصياتها، فلقوله: * (صراط الذين أنعمت...) * إلى آخره، فإنه صراط