الصدقات لهؤلاء) كقولك فرض الله الصدقات لهؤلاء.
المعنى: ثم بين سبحانه لمن الصدقات فقال (إنما الصدقات للفقراء والمسكين) ومعناه: ليست الصدقات التي هي زكاة الأموال إلا لهؤلاء. واختلف في الفرق بين الفقير والمسكين على قولين أحدهما: إنهما صنف واحد، وإنما ذكر الصنفان تأكيدا للأمر، وهو قول أبي علي الجبائي، وإليه ذهب أبو يوسف، ومحمد فقالا فيمن قال ثلث مالي للفقراء والمساكين، وفلان، إن لفلان نصف الثلث، ونصفه الآخر للفقراء والمساكين، لأنهما صنف واحد. و (الآخر): وهو قول الأكثرين انهما صنفان، وهو قول الشافعي، وأبي حنيفة، فإنه قال في المسألة المذكورة إن لفلان ثلث الثلث، وثلثي الثلث للفقراء والمساكين.
ثم اختلف هؤلاء على أقوال: فقيل: إن الفقير: هو المتعفف الذي لا يسأل، والمسكين: الذي يسأل، عن ابن عباس، والحسن، والزهري، ومجاهد، ذهبوا إلى أن المسكين مشتق من المسكنة بالمسألة، وروي ذلك عن أبي جعفر عليه السلام.
وقيل: إن الفقير الذي يسأل، والمسكين الذي لا يسأل. وجاء في الحديث ما يدل على ذلك: فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قال: ليس المسكين الذي يرده الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنيا فيغنيه، ولا يسأل الناس شيئا، ولا يفطن به فيتصدق عليه. وقيل: الفقير هو الزمن المحتاج، والمسكين: هو الصحيح المحتاج، عن قتادة. وقيل: الفقراء المهاجرون، والمساكين: غير المهاجرين، عن الضحاك، وإبراهيم.
ثم اختلفوا من وجه آخر، فقيل: إن الفقير أسوأ حالا من المسكين، فإن الفقير هو الذي لا شئ له، والمسكين الذي له بلغة من العيش لا تكفيه، وإليه ذهب الشافعي، وابن الأنباري، واحتجا بقوله تعالى (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) وبأن الفقير مشتق من فقار الظهر، فكأن الحاجة قد كسرت فقار ظهره.
وقيل: إن المسكين أسوأ حالا من الفقير الذي له بلغة من العيش، والمسكين: الذي لا شئ له، وهو قول أبي حنيفة، والقتيبي، وابن دريد، وأئمة اللغة، وأنشد يونس:
أما الفقير الذي كانت حلوبته وفق العيال فلم يترك له سبد (1)