شهرا، ليوافق ذلك عدد الأهلة، ومنازل القمر، دون ما دان به أهل الكتاب.
والشهر: مأخوذ من شهرة الأمر لحاجة الناس إليه في معاملاتهم، ومحل ديونهم، وحجهم، وصومهم، وغير ذلك من مصالحهم المتعلقة بالشهور، وقوله:
(في كتاب الله) معناه: فيما كتب الله في اللوح المحفوظ، وفي الكتب المنزلة على أنبيائه. وقيل: في القرآن. وقيل: في حكمه وقضائه، عن أبي مسلم. وقوله:
(يوم خلق السماوات والأرض) متصل بقوله (عند الله) والعامل فيهما الاستقرار.
وإنما قال ذلك لأنه يوم خلق السماوات والأرض أجرى فيها الشمس والقمر، وبمسيرهما تكون الشهور والأيام، وبهما تعرف الشهور.
(منها أربعة حرم) أي: من هذه الاثني عشر شهرا، أربعة أشهر حرم، ثلاثة منها سرد: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وواحد فرد: وهو رجب. ومعنى حرم: أنه يعظم انتهاك المحارم فيها أكثر مما يعظم في غيرها، وكانت العرب تعظمها حتى لو أن رجلا لقي قاتل أبيه فيها لم يهجه لحرمتها.
وإنما جعل الله تعالى بعض هذه الشهور أعظم حرمة من بعض، لما علم من المصلحة في الكف عن الظلم فيها، لعظم منزلتها، ولأنه ربما أدى ذلك إلى ترك الظلم أصلا، لانطفاء النائرة، وانكسار الحمية في تلك المدة، فإن الأشياء تجر إلى أشكالها. وشهور السنة المحرم: سمي بذلك، لتحريم القتال فيه. وصفر: سمي بذلك، لأن مكة تصفر من الناس فيه أي: تخلو. وقيل: لأنه وقع وباء فيه، فاصفرت وجوههم. وقال أبو عبيدة: سمي بذلك لأنه صفرت فيه أوطابهم عن اللبن (1) وشهرا ربيع: سميا بذلك لإنبات الأرض وإمراعها فيهما. وقيل: لارتباع القوم أي: إقامتهم وجماديان: سميتا بذلك لجمود الماء فيهما. ورجب: سمي بذلك لأنهم كانوا يرجبونه أي: يعظمونه يقال رجبته ورجبته بالتخفيف والتشديد، قال الكميت:
ولا غيرهم أبغي لنفسي جنة، ولا غيرهم ممن أجل وأرجب وقيل سمي بذلك لترك القتال فيه من قولهم رجل أرجب إذا كان أقطع لا يمكنه العمل.