والأموال التي منعوا حق الله فيها بأعيانها (جباههم وجنوبهم وظهورهم) وإنما خص هذه الأعضاء لأنها معظم البدن. وكان أبو ذر الغفاري يقول: بشر الكانزين بكي في الجباه، وكي في الجنوب، وكي في الظهور، حتى يلتقي الحر في أجوافهم. وفي هذا المعنى الذي أشار إليه أبو ذر خصت هذه المواضع بالكي، لأن داخلها جوف بخلاف اليد والرجل. وقيل: إنما خصت هذه المواضع بالعذاب، لأن الجبهة محل الوسم لظهورها، والجنب محل الألم، والظهر محل الحدود وقيل: لأن الجبهة محل السجود، فلم تقم فيه بحقه، والجنب يقابل القلب الذي لم يخلص في معتقده، والظهر محمل الأوزار. قال: يحملون أوزارهم على ظهورهم عن الماوردي.
وقيل: لأن صاحب المال إذا رأى الفقير قبض جبهته، وزوى عينيه، وطوى عنه كشحه، وولاه ظهره عن أبي بكر الوراق.
(هذا ما كنزتم لأنفسكم) أي: يقال لهم في حال الكي، أو بعده: هذا جزاء ما كنزتم، وجمعتم المال، ولم تؤدوا حق الله عنها، وجعلتموها ذخيرة لأنفسكم (فذوقوا ما كنتم تكنزون) أي: فذوقوا العذاب بسبب ما كنتم تكنزون، أي، تجمعون وتمنعون حق الله منه، فحذف لدلالة الكلام عليه. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
ما من عبد له مال، ولا يؤدي زكاته، إلا جمع يوم القيامة صفائح يحمى عليها في نار جهنم، فتكوى به جبهته، وجنباه، وظهره، حتى يقضي الله بين عباده في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار.
أورده مسلم بن الحجاج في الصحيح.
وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: من ترك كنزا، مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع، له زبيبتان (1)، يتبعه ويقول: ويلك ما أنت؟ فيقول: أنا كنزك الذي تركت بعدك، فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده، فيقصمها، ثم يتبعه سائر جسده.
وروى الثعلبي: بإسناده عن الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في ظل الكعبة، فلما رآني قد أقبلت قال: هم الأخسرون ورب الكعبة! هم الأخسرون ورب الكعبة! قال: فدخلني غم، وجعلت أتنفس، وقلت: هذا شئ حدث في! قال، قلت: من هم فداك أبي وأمي، قال:
الأكثرون إلا من قال بالمال في عباد الله هكذا وهكذا، عن يمينه، وشماله، ومن