كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل) أي يأخذون الرشى على الحكم، عن الحسن، والجبائي، وأكل المال بالباطل: تملكه من الجهات التي يحرم منها أخذه إلا أنه لما كان معظم التصرف والتملك للأكل، وضع الأكل موضع ذلك. وقيل: إن معناه يأكلون متاع أموال الناس من الطعام، فكأنهم يأكلون الأموال لأنها ثمن المأكول، كما قال الشاعر:
ذر الآكلين الماء لوما، فما أرى ينالون خيرا بعد أكلهم الماء أي: ثمن الماء. (ويصدون عن سبيل الله) أي: يمنعون غيرهم عن اتباع الاسلام الذي هو سبيل الله التي دعاهم إلى سلوكها، وعن اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) أي: يجمعون المال، ولا يؤدون زكاته، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: كل مال لم تؤد زكاته فهو كنز، وإن كان ظاهرا، وكل مال أديت زكاته، فليس بكنز، وإن كان مدفونا في الأرض، وبه قال ابن عباس، والحسن، والشعبي، والسدي. قال الجبائي: وهو إجماع.
وروي عن علي عليه السلام: ما زاد على أربعة آلاف، فهو كنز أدى زكاته أو لم يؤد، وما دونها فهو نفقة. وتقدير الآية: والذين يكنزون الذهب ولا ينفقونه في سبيل الله: ويكنزون الفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فحذف المعطوف من الأول لدلالة الثاني عليه، كما حذف المفعول في الثاني لدلالة الأول عليه، في قوله: (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) وتقديره: والذاكرات الله.
وأكثر المفسرين على أن قوله (والذين يكنزون) على الاستئناف، وان المراد بذلك ما نعو الزكاة من هذه الأمة. وقيل: إنه معطوف على ما قبله والأولى أن يكون محمولا على العموم في الفريقين (فبشرهم بعذاب اليم) أي: أخبرهم بعذاب موجع.
وروى سالم بن أبي الجعد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية قال: تبا للذهب، تبا للفضة - يكررها ثلاثا - فشق ذلك على أصحابه فسأله عمر، فقال: يا رسول الله! أي المال نتخذ؟ فقال: لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة مؤمنة، تعين أحدكم على دينه.
(يوم يحمى عليها في نار جهنم) أي: يوقد على الكنوز، أو على الذهب والفضة في نار جهنم، حتى تصير نارا (فتكوى بها) أي: بتلك الكنوز المحماة،