شمعون، أو لاوي، أو يهوذا (إنه هو العليم) بعباده (الحكيم) في تدبير الخلق (وتولى عنهم) أي: انصرف وأعرض عنهم، بشدة الحزن، لما بلغه خبر حبس ابن يامين، وهاج ذلك وجده بيوسف، لأنه كان يتسلى به (وقال يا أسفى على يوسف) أي: يا طول حزني على يوسف، عن ابن عباس. وروي عن سعيد بن جبير أنه قال: لقد أعطيت هذه الأمة عند المصيبة، ما لم يعط الأنبياء قبلهم: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولو أعطيها الأنبياء لأعطيها يعقوب، إذ يقول: يا أسفى على يوسف.
(وابيضت عيناه من الحزن) والبكاء، ولما كان البكاء من أجل الحزن، أضاف بياض البصر إليه. وسئل الصادق عليه السلام: ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال: حزن سبعين حرى ثكلى. قيل: كيف وقد أخبر أنه يرد عليه؟ فقال:
أنسي ذلك. وقيل: انه عمي ست سنين، عن مقاتل. وقيل: انه أشرف على العمى، فكان لا يرى الا شيئا يسيرا (فهو كظيم) والكظيم ههنا، بمعنى الكاظم:
وهو المملوء من الهم والحزن، الممسك للغيظ، لا يشكوه لأهل زمانه، ولا يظهره بلسانه. ولذلك لقب موسى بن جعفر عليهما السلام، الكاظم، لكثرة ما كان يتجرع من الغيظ والغم، طول أيام خلافته لأبيه في ذات الله تعالى. وقال ابن عباس: هو المغموم المكروب (قالوا) أي: قال ولد يعقوب لأبيهم (تالله تفتؤا تذكر يوسف) أي: لا تزال تذكر يوسف (حتى تكون حرضا) أي: دنفا فاسد العقل، عن ابن عباس، وابن إسحاق. وقيل: قريبا من الموت، عن مجاهد. وقيل: هرما باليا، عن قتادة، والضحاك (أو تكون من الهالكين) أي: الميتين وإنما قالوا ذلك اشفاقا عليه وتعطفا ورحمة له وقيل إنهم قالوا ذلك تبرما ببكائه إذ تنغص عيشهم بذلك (قال) يعقوب في جوابهم (إنما أشكو بثي) أي: همي. عن ابن عباس. وقيل:
حاجتي، عن الحسن (وحزني إلى الله) المعنى: إنما أشكو حزني، وحاجتي، واختلال حالي، وانتشارها، إلى الله في ظلم الليالي، وأوقات خلواتي، لا إليكم.
وقيل: البث ما أبداه. والحزن ما أخفاه. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن جبرائيل أتاه فقال: يا يعقوب! إن الله يقرأ عليك السلام ويقول: أبشر وليفرح قلبك. فوعزتي لو كانا ميتين لنشرتهما لك. اصنع طعاما للمساكين، فإن أحب عبادي إلي المساكين.
أو تدري لم أذهبت بصرك، وقوست ظهرك؟ لأنكم ذبحتم شاة، وأتاكم مسكين وهو صائم، فلم تطعموه شيئا. فكان يعقوب بعد ذلك، إذا أراد الغذاء أمر مناديا ينادي: