علمنا) أي: بما شهدنا من أن الصاع استخرج من رحله في الظاهر، وبين بهذا انهم لم يكونوا قاطعين على أنه سرق. وقيل: معناه ما شهدنا عند يوسف أن السارق يسترق إلا بما علمنا أن الحكم ذلك، ولم نعلم ابنك سرق أم لا، إلا أنه وجد الصاع عنده، فحكم بأنه السارق في الظاهر، وإنما قالوا ذلك حين قال يعقوب عليه السلام لهم:
ما يدري الرجل أن السارق يؤخذ بسرقته، ويسترق، وإنما علم ذلك بقولكم.
(وما كنا للغيب حافظين) أي: إنا لم نعلم الغيب حين سألناك أن تبعث ابن يامين معنا، ولم ندر أن أمره يؤول إلى هذا. وإنما قصدنا به الخير، ولو علمنا ذلك ما ذهبنا به، عن مجاهد، وقتادة، والحسن. وقال علي بن عيسى: علم الغيب هو علم من لو شاهد الشئ لشاهده بنفسه، لا بأمر يستفيده. والعالم بهذا المعنى هو الله وحده، جل اسمه. وقيل: معناه ما كنا لسر هذا الأمر حافظين، وبه عالمين، فلا ندري أنه سرق، أم كذبوا عليه، وإنما أخبرناك بما شاهدنا، عن عكرمة. وقيل:
معناه ما كنا لغيب ابنك حافظين، أي: إنا كنا نحفظه في محضره، وإذا غاب عنا ذهب عن حفظنا، يعنون انه سرق ليلا وهم نيام. والغيب: هو الليل بلغة حمير، عن ابن عباس، قال: أي إنا لم نعلم ما كان يصنع في ليله ونهاره، ومجيئه وذهابه.
(واسأل القرية) أي: أهل القرية (التي كنا فيها) والقرية مصر، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومعناه: سل من شئت من أهل مصر عن هذا الأمر، فإن هذا الأمر شائع فيهم، يخبرك به من سألته. وإنما قالوا ذلك لأن بعض أهلها كانوا قد صاروا إلى الناحية التي كان فيها أبوهم. والعرب تسمي الأمصار والمدائن قرى (والعير التي أقبلنا فيها) أي: وسل أهل القافلة التي قدمنا فيها، وكانوا من أرض كنعان من جيران يعقوب، وإنما حذف المضاف للإيجاز، ولأن المعنى مفهوم.
وقيل: إنه ليس في الكلام حذف، لأن يعقوب عليه السلام نبي، صاحب معجز، يجوز أن تكلمه القرية، والعير على وجه خرق العادة. وإنما قالوا ذلك لأنهم كانوا أهل تهمة عند يعقوب (وإنا لصادقون) فيما أخبرناك به (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا) ههنا حذف كثير، يدل الحال عليه، تقديره: فلما رجعوا إلى أبيهم، وقصوا عليه القصة بطولها، قال لهم: ما عندي إن الأمر على ما تقولونه، بل سولت لكم أنفسكم أمرا فيما أظن (فصبر جميل) أي: فأمري صبر جميل، لا جزع منه (عسى الله أن يأتيني بهم جميعا) أي: عسى الله أن يأتيني بيوسف، وابن يامين، وروبيل، أو