(فإنها لا تعمى الأبصار)، وقول الشاعر: (وليس منها شفاء الداء مبذول) والذي ذهب أبو إسحاق فيه إلى أنه مضمر على شريطة التفسير، ليس بمبتدأ، فيلزمه التفسير بالجملة، ألا ترى أنها فضلة مذكورة بعد فعل وفاعل وهو قوله أسر، فإذا كان مباينا لما أصله المبتدأ، لم يجز أن يفسر تفسيره. وأيضا فإن المضمر على شريطة التفسير، لا يكون الا متعلقا بالجملة التي يفسرها، ولا يكون منقطعا عنها، ولا متعلقا بجملة غيرها، وما ذكره أبو إسحاق فالتفسير فيه منفصل عن الجملة التي فيها الضمير الذي زعم أنه إضمار على شريطة التفسير، فخرج بذلك عما يكون عليه الإضمار قبل التفسير. فإن قلت: فعلى م تحمل الضمير في (أسرها)؟ قلنا:
يحتمل أن يكون إضمارا للإجابة كأنهم لما قالوا (إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل) أسر يوسف إجابتهم في نفسه ولم يبدها لهم في الحال، وجاز إضمار ذلك، لأنه دل ما تقدم من مقالتهم عليه، وجاز أن يكون إضمارا للمقالة كأنه أسر يوسف مقالتهم، لأن القول والمقالة واحد. ويكون معنى المقالة المقول، كما أن الخلق عبارة عن المخلوق: أي أكنها في نفسه، وأوعاها ولم يطرحها، إرادة للتوبيخ عليها، والمجازاة بها. انتهى تلخيص كلام أبي علي.
وقوله (شيخا) صفة الأب. والكبير صفة الشيخ. و (معاذ الله): منصوب على المصدر. والعرب تقول معاذ الله، ومعاذة الله، وعوذنا الله، وعوذة الله، وعياذ الله. ويقولون اللهم عائذا بك أي: أدعوك عائذا بك. وأن تأخذ في موضع نصب.
والمعنى أعوذ بالله من أخذ أحد إلا من وجدنا متاعنا عنده. فلما سقطت من أفضى الفعل، فنصب، عن الزجاج. وقوله: (إنا إذا لظالمون) فيه معنى الجزاء أي: إن أخذنا غيره، فنحن ظالمون. و (نجيا): نصب على الحال. وما في قوله (ما فرطتم) لغو أي: ومن قبل فرطتم. ويجوز أن تكون مصدرية في موضع رفع بمعنى تفريطكم واقع من قبل، فيكون (ما فرطتم في يوسف) في موضع رفع بالابتداء و (من قبل) خبره. ويجوز أن يكون في موضع نصب عطفا على أن، فيكون المعنى: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم موثقا، وتفريطكم في يوسف.
و (يحكم) عطف على (يأذن). ويجوز أن يكون بمعنى إلا أن أي: لن أبرح الأرض إلا أن يحكم الله لي.
المعنى: ثم أخبر سبحانه عن اخوة يوسف انهم (قالوا) ليوسف (إن يسرق)