النزول: قيل: هذه الآية نزلت حين أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحرب الروم، فغزا بعد نزولها غزوة تبوك، عن مجاهد. وقيل: هي على العموم.
المعنى: ثم بين الله سبحانه، ان من الكفار من يجوز تبقيته بالجزية، فقال (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) يعني: الذين لا يعترفون بتوحيد الله، ولا يقرون بالبعث والنشور. وهذا يدل على صحة ما يذهب أصحابنا إليه، من أنه لا يجوز أن يكون في جملة الكفار من هو عارف بالله، وإن أقر باللسان، وإنما يكونون معتقدين لذلك اعتقادا ليس بعلم، لأنه صريح في أن أهل الكتاب الذين يؤخذ منهم الجزية، لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، ومن قال إنه يجوز أن يكونوا عارفين بالله، قال: إن الآية خرجت مخرج الذم لهم، لأنهم بمنزلة من لا يقر به في عظم الجرم.
قال الجبائي: لأنهم يضيفون إليه ما لا يليق به، فكأنهم لا يعرفونه، وإنما جمعت هذه الأوصاف لهم، ولم يذكروا بالكفار من أهل الكتاب، للتحريض على قتالهم، لما هم عليه من صفات الذم التي توجب البراءة منهم، والعداوة لهم.
(ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله) موسى وعيسى عليهما السلام، من كتمان نعت محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: يعني ما حرمه محمد صلى الله عليه وآله وسلم. (ولا يدينون دين الحق) وقيل: الحق ههنا هو الله تعالى، أي: دين الله، والعمل بما في التوراة من اتباع نبينا عليه السلام، وقيل: الحق هو الله، ودينه الاسلام، عن قتادة. وقيل: معناه ولا يطيعون الله طاعة أهل الاسلام، عن أبي عبيدة. وقيل: معناه لا يعترفون بالإسلام الذي هو الدين الحق.
(من الذين أوتوا الكتاب) وصف الذين ذكرهم بأنهم من أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، وقال أصحابنا: إن المجوس حكمهم حكم اليهود، والنصارى.
(حتى يعطوا الجزية عن يد) أي نقدا من يده إلى يد من يدفعه إليه، من غير نائب، كما يقال كلمته فما بفم. وقيل: معناه عن قدرة لكم عليهم وقهر لهم، كما يقال كان اليد لفلان. وقيل: يد لكم عليهم، ونعمة تسدونها إليهم، بقبول الجزية منهم (وهم صاغرون) أي: ذليلون مقهورون، يجرون إلى الموضع الذي يقبض منهم فيه بالعنف، حتى يؤدوها. وقيل: هو أن يعطوا الجزية قائمين والآخذ جالس، عن عكرمة.